حدثنا خطيب الجمعة، يوم امس الاوّل، بمنطق العصا والجزرة، والوعيد والاغواء، والتهديد والاغراء، وهو يكاد يستخدم معنا علنا، «منطق» الرشوة» وارباحها، في حين ان المصلين – وانا منهم – كانوا يرتعدون، وتصطك اسنانهم فرقا، وتتصبب ابدانهم عرقا، وكأنه لم يسمع يوما أو يعي، قول رسولنا الحبيب: «بشّروا ولا تنفّروا ويسّروا ولا تعسّروا»، فتراه ينقل المصلين الى جهنم وسقرها والنار ولهيبها!! ينفث نارا في وجوه المصلين، باعثا اليأس والقنوط في النفوس عندما يعلن، مخطئا، ان الكفر في اكتساح وانتشار، وان الاسلام في انحسار وادبار. ونستذكر هنا حديث الشيخ عائض القرني عن التشدد والتعجيز في شروط دخول الجنة، اذ قال انك ان حسبتها، ستجد انها لا تنطبق الا على 13 شخصا، رغم ان الجنة عرضها السموات والارض ورغم ان لها 8 ابواب.

ان خطبة الجمعة وصلاتها، بإجماع المذاهب والفقهاء، من الشعائر العظيمة في الاسلام،ومن اوضح مزاياها التي بيّنها حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ان يطبق الخطباء والعلماء الاية الكريمة :»يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، فيجعلون صلاة الجمعة، جامعة للمسلمين وفرصة للتفقه في الدين والتعرف على ابرز المشكلات والتحديات التي تواجه امتهم ، مع التأكيد على الخطبة القصيرة.

نتحدث عن بعض خطباء الجمعة وليس عن كل خطباء الجمعة، فقد اصغينا مستمتعين متنورين مستفيدين، الى خطباء وعلماء يتدفقون رفقا ومودة ورحمة وموعظة حسنة، مبرزين الاسلام العظيم على حقيقته وجوهره، دينا لا اكراه فيه ولا عنفا ولا فظاظة، دين رحمة ورأفة وتسامح وعتق وعدل، مبينين ان ربّ العزّة، اعدّ لنا في الآخرة الخير والكرامة، لا كما حدثنا الخطيب – سامحه الله - فأرهبنا وروعنا وزعزعنا وزلزلنا. فخرج الواحد منا من المسجد، كالمضروب على رأسه، وهو لا يعرف الى اين يتجه، أإلى جبل قصي، حيث يعتزل اهله وبنيه والناس، فيعتكف ويتدروش ويخرج من الدنيا، ام الى المنزل ليحطم كل اجهزة الحضارة الحديثة، من ثلاجة الى مكيّف الى سيارة الى هاتف محمول !!

حرص المسلمون، في القرى والبوادي والمخيمات، وما يزالون، على ان يكون المسجد اكبر بناء وافخم المنشآت وارقاها وأجملها على الاطلاق،وحرص المسلمون على ان يذهبوا الى المسجد وهم في اطيب مظهر واجمل لباس واحلى زينة،تنفيذا لأمره تعالى :» يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد»، فهم ذاهبون الى مجلس الشورى والى اجتماع الجمعية العمومية للقرية والى المنتدى الاخلاقي العام والى الملتقى الروحي الدائم والى «فورم» متجدد، يروون منه ظمأهم الى معرفة ما يدور حولهم والى الواجبات التي ينبغي ان يؤدوها ،يتبادلون الرأي والمشورة والمعلومة، يتفقدون من غاب ولماذا غاب، المسجد قصرهم المنيف، والخطيب معلمهم الرفيق اللطيف.

ان مهام خطيب الجمعة، والدور المناط به، والمزايا او المخاطر، التي تنجم عن تسامحه او تشدده، لا حصر لها ولا عد، فقد ساهم الخطباء والعلماء المتعصبون المتشددون، في تخريج افواج من المتعصبين المتشددين، والغلاة المتطرفين، الذين اساءوا للاسلام، واضروا بصورته، خلال العقود الثلاثة الماضية، ضررا يحتاج تداركه وعلاجه الى عشرات العقود وليس عشرات السنوات، كما اضروا بالمسلمين في ديارهم وديار الغربة وسببوا لهم ضنكا والقوا عليهم احمالا هائلة ثقالا ،والحقوا بهم ظلما واذى ومشقة، عسّرت عيشهم وضيّقت الدنيا في وجوههم الى ابعد الحدود.

وان خوفنا على ديننا الحنيف، من الجهّال والمتطرفين والغلاة والمتعصبين والمعسّرين والمكفّرين، هو اليوم، اكبر من خوفنا على ديننا من اعدائنا وخصومنا والطامعين فينا، الذين يعرفون الدور المركزي الكبير لديننا، في حياتنا ونهضتنا ووحدتنا، وقدرتنا على تحرير مقدساتنا واراضي امتنا، في فلسطين والهضبة السورية وجنوب لبنان، فخصومنا مكشوفون معروفون محددون واضحون لنا.

قال تعالى :» فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتّبعون احسنه»، اي ان العباد المبشّرين، يستمعون الى قول الخطيب او الوالي او الداعية او المرشح او السياسي، فلا يتبعون اسوأه، بل يهملون الكلام السيء المنفر المعسّر ويسقطونه.

امامنا الف مشكلة ومعضلة تحتاج الى حوار وتبادل رأي ومشورة، ينتظر المصلون من خطبائهم ان يسلطوا الاضواء عليها، وانّ حضّنا على اخذ زينتنا عند كل مسجد، تشمل قطعا، ان يأخذ الخطباء زينتهم كذلك، وزينتهم هي بالدرجة الاولى، في خطبتهم ومنطوقهم وكلامهم الذي نرجو الله ان يفتح عليهم فيكون منسجما مع التيسير ، بدلا من ان يحملوا لنا السياط وان ينفثوا في وجوهنا اللهب والنار .

Assem.alabed@gmail.com
عن الراي.