استقلالية الجامعات العربية .. !
د. امين محمود
25-09-2021 11:12 AM
لا يملك المرء الا ان يتساءل هذه الايام كيف يمكن ان يتسنى للمجتمعات العربية أن تواجه تحدياتها التنموية طالما ان اوضاعها السياسية والاجتماعية في مجملها اوضاع مرتبكة وتعاني من أزمات خطيرة وكبيرة ولا سيما تلك الاوضاع التي نشهدها اليوم في دول مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والسودان ! ان هذه الحالة من عدم الاستقرار وما تبعها من ازمات اقتصادية وتناقضات اجتماعية مختلفة باتت تؤثر تأثيراسلبيا بالغا على المسيرة التعليمية في هذه الدول وتخلق صعوبات جمة حتى لتحقيق أدنى مستويات الجودة والنوعية المطلوبة في هذه المسيرة الهامة.
ومن الطبيعي فانه في مثل هذه الاوضاع المتأزمة لا بمكن تحقيق اي درجة من التقدم أو التطور او الاصلاح في مجالات التعليم الا بعد مراجعة شاملة وضرورية لبنية هذه الانظمة السياسية الحاكمة نفسها ، وحتى الطريقة التي تتعامل بها مع شعوبها او مؤسساتها المدنية ان سمح لها بالوجود.
ان اي اصلاح لمسيرة التعليم والتعليم العالي بالذات يجب ان تبدأ اولا بقناعة حقيقية لدى الحكومات المركزية او الانظمة الحاكمة وبدعم ملموس منها , وهذا غير ممكن الا اذا حصل ضمن تفاعل حقيقي وديموقراطي مع مختلف فئات الشعب ومؤسساته المدنية والتربوية والثقافية .لقد ثبت عبر التجارب ان المركزية والسيطرة والتحكم التي يمارسها اصحاب القرار في دولنا في شؤون جامعاتنا تتناقض كليا مع الفلسفة المتعارف عليها عالميا لمفهوم استقلالية الجامعات والمؤسسات التربوية . المهم هنا ان يتحدد دورالدولة ببلورة رؤية فلسفية واضحة عبر مجالسها التعليمية لسياسة المنظومة التعليمية بشتى مراحلها وان تقوم الدولة عبر مؤسساتها الرسمية بدور الراعي والمنسق وليس بدور الشرطي والجلاد .وفي هذه الحالة فانه على الدولة ان تدعم مبدا استقلالية الجامعات ضمن اطار استراتيجي وطني عام يسمح لهذه الجامعات ان تقوم بادارة جميع شؤونها الادارية والاكاديمية والمالية وفق انظمتها واولوياتها الخاصة على ان تخضع للمحاسبة والرقابة النوعية من هيئات مستقلة عن سيطرة الحكومة وضمن نظام شفاف يعتمد نشر المعلومات والاحصاءات الصحيحة والدقيقة. . ان التعليم العالي في غالبية دولنا العربية يعاني من السيطرة المركزية للدولة وتدخلها المباشر وغير المباشر في الانظمة والخطط الدراسية ومعايير الاعتماد والجودة واسس القبول وغيرها . لقد ثبت من خلال التجارب العربية ان هناك علاقة تناسب طردية بين درجة التقيد والجمود التي تعاني منها الجامعات وبين مركزية التعليم العالي , وانه اّن الاوان لان يتحول دور وزارات التعليم العالي العربية ومجالسها التعليمية – كما سبق وذكرنا مرارا وتكرارا - من قيد ضاغط على الجامعات الى مولد للحوافز ومبادرات التطوير والتنافس والابداع , وهذا لا يمكن ان يتأتى الا من خلال الجامعات اذا ما توفرت لديها الاستقلالية وبالتالي من خلال تزايد وعي اكاديمييها وتعمق احساسهم بالانتماء لمؤسستهم الجامعية.
ولذا فانه يتحتم على دولنا العربية ان توقف هيمنتها على الجامعات وتتخلى عن تدخلها المباشر في التعيينات الجامعية لا سيما القيادات الاكاديمية وتترك المجال , كما هو الحال في العديد من الجامعات العالمية المرموقة , للجان يطلق عليها " لجان اليحث والتقصي " والتي تعتمد اّلية مهنية عادلة لاختيار متولي المناصب الادارية العليا بما فيها المناصب الاكاديمية , بدءا من رئيس الجامعة وانتهاء برؤساء الاقسام . ولنا في تجارب العالم المتقدم نماذج بالامكان الاحتذاء بها اذا ما أردنا. ولعل ذلك من ناحية أخرى ينجح أيضا في الحد من التدخل المباشر لأصحاب المال في الجامعات الخاصة واتاحة المجال للأعراف والتقاليد الجامعية أن تأخذ مجراها . ولا يمكن أن يتحقق ذلك بطبيعة الحال الا بايجاد الضوابط القانونية التي تضمن تفعيل علاقة متوازنة بين قوى المال وادارة الجامعة , والحفاظ على استقلالية القرار الأكاديمي , ووضع التشريعات اللازمة لذلك.
وبعد..! فهذه ملاحظات عساها تسلط الضوء على اشكالات بنيوية حقيقية في الممارسات الرسمية تجاه مؤسسات التعليم العالي العربية ! واذا لم يتم التصدي ومعالجة هذه الاشكالات وغيرها الاّن فمتى ؟ ان استمرار هذه الممارسات الرسمية ستؤدي قطعا الى مزيد من تراجع الجامعات او في احسن الاحوال الى استمرار حالة الركود والجمود