في عصر الصحوة والارتقاء نحو الفضاء، يختلط الحابل بالنابل لدى أصحاب القرار وصناعته في العالم، ويرتفع الوجع والألم، ويتضاعف الخداع والكذب والغش في منحى كلام وخطب الوئام والسلام بين الأمم، ويزداد التأليه للشخوص مقابل حبة نظر واهتمام، والكل يسحج لمفردة الأمن والوئام بين الشعوب ورفرفة راية السلام، وفي الجانب المقابل يصرخ الوالي وحارس مرمى الناس : لقد عملت بضمير.
في عصر الحق والعدالة والمساواة، يتضخم الكذب على الشعوب ولي عنق الحقيقة، وترتفع وتيرة خطب النخبة الواصلة وتطلق شعارات كرامة الناس، وتصرخ حناجر مصانع القرار بكلمة الشرف، ويتبعثر الواقع ويتحول إلى حقيقة الوهم علناً.ويقف الوالي وحارس مرمى حق الناس : أنا عندي ضمير.
تتجندل النساء وتتمزق أمام العدسات ملابسهن الساترة تحت هراوات الغشم، دون ومضة من شعاع نخوة أو شروى نقير من إحساس، ويخطب الوالي وحارس مرمى دمع الناس : أنا أصلاً صاحب ضمير.
يتلوع الأطفال بين أذرع المدججين بالموت، ويستغيثون ويستنجدون، وترتفع الخطب العصماء تحت مظلة الكلام بالحب والسلام. ويبرز الوالي وحارس مرمى صدور الطفولة مصرحاً : الحمد لله عملت بضمير.
تتمزق صدور الشباب بأيدي الغاصبين المحتلين على مرأى من أهليهم الحراس وكبار القامات، فيبرز كبير القامة الوالي وحارس جباه الشباب ليقول: أهم شيء عندي هو الضمير.
ينزف الناس ويلوذون بالموت على مرأى من حارس الحياة، فيتنهد ويقول : سهرت ليلكم ومارست حمايتكم بضمير.
......
يتجول الضمير في محطات الدنيا، متلفعاً بعباءة قاتمة مزركشة بالسواد، ويتجول في عقول الناس اللاهثين للأمل بلا تؤدة وراحة بال، ويخترق قلوبهم كالحلم المارق بخيال زورو. فيشيحون بوجوههم عنه ويدعون عليه بالرحيل.
يقف الضمير شامخا منتصب القامة يمشي، وتحت مظلة الرماد المهيمنة على الناس، يتطلع الضمير في عيون أصحابه المدلهمة الخجلى، يشرئبون مع جمع مهول ورجال صفر الجباه عروقهم في الأوداج بارزة لشدة الإخلاص في العمل، ضخام القامات كبار الهمم، عراض الصدور والمناكب، سمان الأذرع نحاف الأرجل الخفية تحت البناطيل، تقابلهم سيدات وارفات العطر والصدور المزركشة بالخرز المحفوف والملظوم بسناسل الحديد الهندي، وكلهم يهتفون ويدقون على صدورهم لامتلاكهم سر الضمير وعمل الضمير ومسؤولية الضمير.
نساء محدوبات الأعمدة الفقرية، لشدة العطاء والوفاء في أعمارهن، تمور في شفاههن مسالك النفخ قليلاً، ويتوهج الاحمرار في خدودهن لشدة السعادة كما يتوهج الصفار والامتقاع في جباه الرجال لشدة العمل. ترتفع الأناشيد على أفواههم بصوت عال تتغنى بالضمير.
وفي دائرة مظلة الرماد على تراب البلاد، ينظم أصحاب الضمير ثورة شعبية رسمية، وتصطف وتستدير فيها مقاعد وهمية خمرية، بدائرة نصف قطرها الكرة الأرضية.
وفجأة يحدث ما لم يتخيله أصحاب الضمير، فتدوس أقدام الناس الحافية واقفة عليها وسيقانهم العارية.
تهب الرياح السامطة الغاضبة، وتحت لسعات التوتر والأمل المسروق، تغيب الشمس ويعم القلق لمنظر التراب الأسود المحروق يكتمل نصاب الناس، ولشدة كذبة حيوية الضمير، تزلزل الأرض صرخات الجماهير لتصيح صيحة مدوية :
مت أيها الضمير
مت أيها الضمير
ومع غياب الشمس في التخوم، وانزوائها وراء اسوداد الغيوم، يطل شعاع الأمل المسروق، وتستعجل الشمس في الشروق.
الدستور