صحيح أنّ الشعب الأردني يحبّ أن يقرأ تفاصيل حياة كبار المسؤولين، وما جرى معهم خلال عشرات السنوات، ولكنّ الصحيح أكثر، أنّ كبار المسؤولين بحاجة أكثر إلى وضع تجاربهم العامّة أمام الناس، في سبيل تبرئة الذمة، وقد تجاوزوا سنّ التقاعد.
هذا يعني أنّ صاحب الحاجة هو الثاني، الذي يتسوّل من الأول معرفة حقائق الأمور، وهذا يعني أكثر أنّ عليه تسهيل الأمور، وإيصال ما يريد بيسر، ودون ما ثمن مادي يدفعه المواطن، مقابل معلومات كان من حقّه الحصول عليها مجاناً في وقتها، وفي مطلق الأحوال، فمن أبسط حقوقه أن يحصل عليها، وقد دخلت ذمّة التاريخ، مجاناً، ومع هدية أيضاً!
اليوم، تمّ إفتتاح معرض الكتاب بعد غياب سنتين، وممّا عرفناه أنّ أغلى الكتب كانت تلك التي تحمل سير رؤساء الوزارات الأردنيين، ويقال إنّه لو أنّ شخصاً ما سيشتري خمسة كتب منها، ولو للإهداء، فسيزيد سعرها على “الانسايكلوبيديا بريتانيكا”، والسعر للكتاب واحد من السير العطرة هو: خمسة وعشرون ديناراً…
يا سادة، يا كرام، هذا كلام لا يُصدّق، فقد عملتم عشرات السنوات في الدولة الأردنية، وحصلت على أفضل الامتيازات، وشاركتم في أهمّ القرارات، ولا تعيشون، لا سمح الله، في بيوت كبيوتنا، بل في ما يشبه القصور، فكيف لكم أن تتّخذوا من حياتكم، حياتنا، تجارة؟
كان من حقنا أن نعرف، وما زال من حقنا أن نعرف، كيف اتخذتم القرارات، وماذا كانت مواقفكم تجاهها، فقد أخذتم رواتبكم وامتيازات حياتكم منّا، من الضرائب التي ندفعها، ومن حرق الاعصاب التي تسببتم بها في أجسادنا، وفي آخر الأمر فأنتم تتناحرون على أنّ هذا كان هنا، والآخر كان هناك، والعكس صحيح، وعلينا نحن المقهورون أن نرفع رواتبنا لشراء كتبكم؟
الطريف، في الأمر، أنّ اتحاد الناشرين الأردنيين يلتمس اليوم دعماً، وميثاق سلوك، لاستدامة صناعة الكتب، وذلك يعني وضعها أمام الناس بالسعر المناسب، ودون التخلي عن نشرها الكترونياً، فذلك هو الماضي القريب، والحاضر، والمستقبل.
قد تكون مذكرات السياسيين الاميركيين تجارة، ووسيلة تكسّب، وهذا معروف، ولكنّنا في الأردن، فنصحيتي لكلّ أصحاب الدولة، وكبار المسؤولين، أن ينشروا مذكراتهم الكترونياً، مجاناً، ليقدّموا روايتهم، وإذا كان من ضرورة للطباعة الورقية فلتكن شعبية، وبأرخص الأسعار، حتى سعر التكلفة، فأنتم أصحاب الحاجة بالتعميم، ولسنا صاحبي الحاجة بالقراءة، وللحديث بقية!