بين يدي لجنة المنظومة السياسية ..
العميد المتقاعد عارف الزبن
23-09-2021 11:31 AM
اوقفتني كلمات وردت في الرسالة الملكية لصاحب الجلالة، والموجهة للجنة تحديث المنظومة السياسية، اقتبس " اليوم ونحن على ابوب مرحلة جديدة "، وفي السياق أيضا؛" للخروج بإطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة ". بداية لابد ان نتوقف عند محطة هامة من تاريخ الديمقراطية الأردنية ،وذلك بالعودة الى عام ١٩٥٦ حين استطاع المغفور له الملك الحسين بن طلال (رحمة الله) بحنكة السياسية في ادخال النهج الحزبي الديمقراطي ، بعد ان سمح في تشكيل اول واخر حكومة برلمانية ، علي الرغم من انها كانت مناورة سياسية خطيرة جدا، والتي تكمن خطورتها من المحيط الخارجي الشرس ، الذي تمثل في قطبي السياسة الحزبية العربية ، ممثلة بحزبي الاخوان المسلمين وحزب البعث العربي الاشتراكي ، بعد ان اصبح مؤثرا للمحيط الداخلي ومهددا للأمن الوطني الأردني ، حيث استطاعت تلك الأحزاب النخر في نسيج المجتمع الأردني ، من خلال شعاراتها الرنانة التي استقطبت واستهدفت الامن الفكري الأردني ، بعد انضمام اعداد كبيرة من المواطنين الاردنيين . لقد كانت تلك الأحزاب تنادي في شعاراتها للوحدة الوطنية والحرية والاشتراكية، ولم يكن امام الحسين الا اختيار أسلوب الاحتواء، بعد ان شعر ان التيار السياسي الحزبي الجارف أصبح واقع لا محالة، وان السير بعكسه سيكون صعبا وقاسيا، فكان الخيار الوحيد والامثل والأمن ان يسير مع هذا التيار، بالسماح للحياة الحزبية الأردنية على الرغم من بعض افراد المجتمع الأردني في ذلك الوقت، لم يكن يعرف معنى الحزبية وما تهدف اليه تلك الأحزاب واجنداتها الخارجية.
في تلك الحقبة من الزمن، ولدت اول حكومة برلمانية ولادة قيصرية ، حين كلف الملك الحسين دولة سليمان النابلسي (امين عام الحزب الوطني الاشتراكي) بتشكيل الحكومة بعد حصولها على الأغلبية النيابية ، فتقبلها الحسين (رحمه الله) على مضد ، لأنه عرف ما كان يحاك حوله من الناصريين والبعثين ، ولم تمضي اكثر من ستة شهور حين بدأت الحكومة تتخبط من سياسية رئيسها ، بعد اختلاط ائتلاف حزب البعث العربي الاشتراكي والجبهة الوطنية الأردنية ، نعم لقد جمعت تلك الحكومة كافة التيارات الاشتراكية والبعثية والناصرية والوطنية والاخوانية والقومية ، وابتعدت عن بوصلة المرتكزات الوطنية ، فكان قرار الملك الحسين بإجهاض تلك الحكومة بعد الاصطدام مع رئيسها ، وخاصة بعد ان تجاوزت كل الخطوط الحمر ، فتصدى لها الأردنيون قبل الحسين. نعم في تلك المرحلة كانت ظروف المجتمع الأردني مختلفة، من كافة نواحي الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
واليوم بعد خمس وستون عاما (٦٥)، فأننا أدركنا حكمة قرار الحسين، لان السياسية تتغير بتغير الزمان والمكان، بعد ان فشلت تلك الأحزاب في ذلك الزمان والمكان من إيجاد حياة حزبية سياسية قوية في دول الجوار التي نشطت بها، لا بل انها تهشمت وتحطمت واوجدت صراعات طائفية وحزبية لا تزال تعاني منها تلك الدول، كما انها اوجدت أنظمة سياسية ديكتاتورية ودموية في التصدي لها، وهذا ما تجنبه الحسين (رحمة الله). واليوم في هذا الزمان وهذه المرحلة (المرحلة الجديدة) فالمجتمع الأردني هو غير ذلك المجتمع، من حيث الوعي السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، فخطر المحيط الخارجي أصبح صفحات من التاريخ، ولكن أصبح المحيط الداخلي اكثر خطورة، نعم لقد تغيرت مفاهيم كثيرة في المجتمع الأردني. لأنه جاء جيل وخرج جيل ، فالقاعدة في دورة الحياة تقول " كل ربع قرن (٢٥ عاما) يأتي جيل جديد "، فجيل بداية السبعينيات وهو الجيل الأول لم يكن يشاهد الا التلفزيون الأردني باللون الأبيض والأسود ، ولم يكن يستمع الا لصوت الإذاعة الأردنية ، التي كانت تبث قيم الولاء والانتماء والأخلاق الوطنية ، ثم تبعة جيل منتصف التسعينيات وهو الجيل الثاني ،والذي اصبح يتأثر بالثورة المعلوماتية ، بعد ان غصّت اسطح المنازل بالدشات (الاطباق الفضائية) ، وبدأ يشاهد مئات المحطات الفضائية ويستمع الى أصوات إذاعية جديدة ، عندها بدأ الغزو الموجه والغير موجه فكريا واخلاقيا وسياسيا واجتماعيا وبكل الوان الطيف السياسي ، فبدأ يظهر جيل جديد يحمل فكرا وطموحا وقيما وعادات وتقاليد واخلاق مختلفة. فعلى سبيل المثال؛ خلال ازمة الخليج الأولى في التسعينيات عاد الى الأردن اعداد كثيرة من الأردنيين المغتربين ممن نشأ على فكر عقائدي وسياسي واجتماعي مختلف عن المجتمع الأردني،
لقد اطلق جلالة الملك في عام ٢٠٠٧ (فرسان التغيير) علي هذا الجيل (الجيل الثالث) ، لانهم اصبحوا يواجهون تحديات وطموحات وأفكار مختلفة ، فمنهم من استورد عند عودة للبلاد الفكر الذي تشبّع به من دول الجوار (المحيط الخارجي) ، عبر موجات الهجرة التي نزحت الى الأردن من الغزو الأمريكي للعراق والصراعات التي مرت بها المنطقة ، ومنهم من تأثر بفكر وسائل التواصل الاجتماعي التي تطورت بشكل متسارع ،ومنهم من كان قد ابتُعث في منح دراسية خارجية مبنيه على معتقدات دينية وهابية او طموحات بعثية او قومية او اشتراكية ، فكانت هذه هي الطموحات عند عودتهم الى ارض الوطن ، فأراد البعض منهم نقل هذا الفكر الى المحيط الداخلي فاختلط الحابل بالنابل ، وهذا الاختلاط نتج عنه ايديولوجيات مختلفة وغريبة، منها ما هي تحريرية او تطرفيه او غريبة او قومية، فاصبح لزاما ان يتم تقبل هذا الجيل بفكره في المجتمع الأردني المعاصر.
نعم لم يتوقف هذا الجيل بل تطور مع الثورة المعلوماتية (Update Generation) ، فلقد اصبحنا نشاهد ونسمع في هذه الأيام ان قروب واحد على الوتساب WhatsApp ، او متابعي احد الصفحات على الفيس بوك او يوتيوب ، هم بمثابة تشكيل حزب سياسي (غير مرخص) مكتمل الأعضاء ، لانهم يجتمعون في كل يوم ويطرحون أفكارهم وآرائهم بالصوت والصورة ، متأثرين في فكر شخص واحد قادر على تحريكهم متى شاء واينما شاء ، وكذلك الامر في الصحف الإلكترونية ، التي لم تعد تحتاج الى رئيس تحرير او رقيب او حسيب يقص ويعدل ، فهي تستطيع ان تنشر وتحلل الباطن قبل الظاهر كاشفة كل ما هو مستور ، نعم ان هذا الجيل هم جيل التغيير ، على الرغم من انه لا يزال يستوعب فكرنا او بالأحرى يستحي علينا ، ولكن قريبا فانه لن نستطيع نحن استيعابه او هو بالأحرى لن يستوعبنا او يستحي ان يصفنا بالدقة القديمة.
لقد اوجدت الثورة المعلوماتية والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية مجتمعه في هذا الجيل الثالث ما يسمى بالحراك ، واصبح كل حراك ينسب الى اسم مُطلقة او للمنطقة او للهدف او للشريحة او للتاريخ الذي يمثله ، وهو يتحرك بشكل منظم او عشوائي ويتآثرعطوسياسيا ( عاطفيا وسياسيا) بالمحيط الداخلي والخارجي ، كما انه سهل الالتقاط من الايادي الخارجية القادرة على دفعه باي اتجاه ليصبح ورقة تتطاير بين رياح التغيير ، قادرة على جعله اكثر تنظيما لتحقيق أهدافها ونشر أيدولوجياتها ، كما انها قادرة عل تحويل مسارة ليصبح إعصار جارفا يصعب التعامل معه ، ونحن للأسف لم نُغير او نتغير وانما اصبحنا نصدر التصريحات الرسمية الضعيفة "بان هناك ايادي خارجية " ، وهذا أسلوب الضعيف الذي لا يُجدي نفعا ، بدلا من ان نبحث عن الأسباب الجذرية الرئيسية التي دفعت هذا الجيل للتحرك.
ان الحِراك ظاهرة صحية في المجتمعات الراقية عندما يكون فوق الأرض، وهو يصبح غير صحي (مُهدد وخطير) عندما يختفي تحت الأرض Under Ground وهذا يعود لأسباب عدة منها ، عند فقدان الامل في الإصلاح السياسي او وجود منظومة سياسية متينة متطورة وعصرية ، سواء من الحكومات او النواب ، او عند عجزهما معا في ايصال صوت الحراكيين ، لأسباب فرعية اخرى منها تجاهل الحكومات وضعف النواب ، وعند تراكم الأسباب تصبح المشكلة اكبر . ان الحراك عادة يمر في مراحل ، ففي المرحلة الأولى قد يكون الصراخ والصياح والصراع تحت قبة البرلمان هو اول المؤشرات ، لينتقل الى المرحلة الثانية ليصبح صراعا خارج قبة البرلمان قد يصاحبه تشليّخ وتقطيّع قُمصان ،وهنا قد تكون هي الفرصة الذهبية لاحتواء هذا الحراك، قبل ان ينتقل الى المرحلة الثالثة ليتطور ويصبح حراكا قويا ينزل على الشارع ، ولتجنب المرور في هذه المراحل فان استيعابه وتوجيه منذ طور نشأته ، هو ما يعد بالإصلاح السياسي الذي يرتكز على الأهداف والمرتكزات الوطنية ، وذلك من خلال استيعابه وتنظيمه ، فلقد يكون تحويل مسارة في تشكيل حزب سياسي قوي هو افضل الحلول .ان مفهوم الحراكيين دائما ما يبنى على هدف واحد او مطلب واحد وهم اشبه ما يكنون او يكوّنون أحزاب مختلفة ، الا ان الفارق الوحيد هو من يُنظم هؤلاء الحراكين ، ويحرّكهم ويستمع الى أصواتهم ويستوعب طلباتهم سواء كانوا معارضين او مؤيدين.
ان غياب المنظومة السياسية في حياة المجتمع الأردني، يجعل الحِراك وبسهولة يعود للاحتماء والاستقواء بالمنطقة او القبيلة التي خرج منها، فلقد جرت العادة في مجتمعنا وبكل اسف في الآونة الأخيرة الى اللجوء الى إغلاق الطرق كإحدى الوسائل لإيصال الصوت، وهذه ما قد يعتبر المرحلة الرابعة، وهي مرحلة شبة خطيرة قد تؤدي بسهولة للانتقال الى المرحلة الخامسة والخطيرة جدا، والتي تصبح سهلة جدا عند اتصالها بما يسمى بالطابور الخامس او الأيادي الخارجية، الذي عادة ما تكون اياديها ملوثه وتحمل اجندات واهداف خارجية تريد تحقيقها . ولتجنب هذه المرحلة فان مفهوم الأحزاب هو من ينظم الحياة السياسية الجديدة للمجتمع من خلال الوصول الى حزبين قويين معارضين ومؤيدين، عندها فان صراع تلك الأحزاب سيكون على حلبة مجلس النواب، لنصبح نحن المواطنين المشاهدين حول الحلبة، كما وان الأحزاب الضعيفة تستطيع ان تدخل هذا الصراع من خلال تشكيل ائتلاف مع بعضها او الانضمام الى الأحزاب القوية او الانصهار فيها. وقد تظهر هناك أصوات تغرد خارج السرب لتلك الأحزاب، فيكون تغردها هو نعيقا او بالأحرى نهيقا لا يسمع اذا خرجت عن مرتكزات الحزب، وفي حال غردت او نعق او نهق شخص فان المرجعية ستكون هي للحزب الذي ينتمي اليه، لا ان يلجأ الى الاحتماء او العودة الى الاحتماء بالقبيلة او العشيرة او اغلاق طريق، فعلى سبيل المثال ؛ الرئيس الأمريكي السابق ترامب (أبو ندهتين) وحتى رفيقه النتن ياهو مؤخرا، عندما غردا خارج مرتكزات احزابهم ، متجاوزين الخطوط الحمراء للحزب والدستور التي يمثلونها، فان اول من وقف ضدهم هم الأحزاب المعارضة، وتبعهم اعداد كبير من الاحزاب الي ينتمون اليها، فترامب لم يلجأ الى الترامبين كعشيرة او اقاربه الاولين ، فلقد اخرجتهم احزابهم من الحياة السياسية احزابهم ، وهذا لا يقتصر على السياسة بل كافة مناحي الحياة.
ان هذا النهج الراقي لن يجعلنا في حاجة لهيئة مكافحة الفساد لان الوزير الفاسد في أي حكومة برلمانية، سيتم كشفه من وزير حكومة المعارضة او (حكومة الظل)، الذي سيبقى يتربس له في كل صغيرة وكبيرة ليتم فضح امره امام حزبه ومن ثم مجلس النواب وقد يكون فسادة يؤدي الى اسقاط تلك الحكومة، وكذلك الامر في التعليم والصحة ...الخ. ان مبادرة المنظومة السياسية لن تستطيع ان ترى النور في قرارتها دون ان الرجوع الى القاعدة الشعبية ، والتي يمثلها المواطن وذلك في بناء أحزاب سياسية قوية مثل كل دول العالم المتقدمة ، لإفراز أحزاب شعبية وطنية قوية ،قادرة على ان تجمع المجتمع تحت مظلة حزبيين قويين متناحرين متنافسين في برامجهم الوطنية للفوز بثقة الشعب .كما ان تسمية هذه الأحزاب باي مسمى لا تهم سواء سميت ، يمين يسار ملكيين جمهوريين ديمقراطيين عمال محافظين شيوعين بعثيين اسلامين دستورين ونهضويين اصلاحين قوميين معتدلين، حتى لو سميت شرق السكة وغرب السكة ما تفرق ، لان واقعنا الحزبي الحالي الأليم اننا جمعنا كل أطياف اللون الحزبي السياسي في العالم (مرفقا لك شعاراتهم مثل الدوري الانجليزي) حيث وصل عدد هذه الأحزاب الى اكثر من خمسون (٥٠) حزب بتسمياتها المختلفة ، حتى ان البعض ممن ينتمون الى هذه الأحزاب لا يعرف اهدافها ولا مقراتها ، وهذا يعود الى قانون الأحزاب السياسية رقم (٣٩) لسنة ٢٠١٥ وبحسب المادة ٦-أ ،الذي سمح لكل شخص ان يذهب الى وزارة الداخلية مصطحبا معه أسماء وكشوفات ١٥٠ مواطن لتشكيل حزب، واذا كان يملك سطح (رووف) او شقة فانه يستطيع ان يؤجره كمقر للحزب مستفيدا من الحكومة ٥٠ الف دينار .وهنا يكمن الخطأ والتخبط في التأسيس الامر الذي اوجد لدينا اكثر من حِراك.
قد يشير عليكم أحدهم يا أعضاء اللجنة الملكية الموقرة، بان تجربة الخمسينيات كانت تجربة فاشلة، وقد يقول اخر ان هذا تقييد من صلاحيات الملك، فهؤلاء هم السلبين وهم الدقة القديمة، لان اللجوء الى هذا النهج الحزبي هو فقط من يستطيع ان يوقف ويستوعب الحِراك قبل وصوله الى المرحلة الخامسة. قد لا تكون الحكومات السابقة بكل اسف استوعبت خطابات الملك ،عندما قال في خطابات العرش السامي أمام مجلس الأمة السابع عشر، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، اقتبس: "أطلقنا خطوة أساسية نحو الحكومات البرلمانية على أساس المشاورات النيابية، والتي نسعى للوصول بها إلى حالة متقدمة عبر الدورات البرلمانية المقبلة، بحيث تشكل الأغلبية النيابية المستندة إلى أحزاب برامجية الحكومات، وتوازيها أقلية نيابية مستندة إلى أحزاب برامجية أيضاً، وتعمل بمفهوم حكومة الظل في مجلس النواب " انتهى الاقتباس، وبعد ان لم تستوعب الحكومة هذه التوجيهات الملكية ، لجأ جلالة الملك الى الأوراق النقاشية ، بعد ان أعاد وكرر في كل خطابات العرش امام مجلس النواب /١٧ في الدورة الأولى والثانية والثالثة، ، حين قال بتاريخ ١٦ يناير / كانون الثاني ٢٠١٣ مخاطبا مجلس الامة والحكومة بالورقة النقاشية الثانية تحت عنوان "القوى الشعبية والسياسية" ، حيث طرح فيها الانتقال نحو نهج الحكومات البرلمانية كأحد جوانب التطور الديمقراطي، وللأسف لم تستوعب الحكومة هذه الأوراق النقاشية ، عندها لجأ جلالة الملك الى مدراء الاعلام حين قال " صار لي مده بدنا نطور الجو السياسي حتى نصل الى حكومة برلمانية.. الخ "
فاذا اردتم يا لجنة المنظومة السياسية بالبلاد والعباد خيرا، وفق الأسس والمرتكزات التي تطرق بها جلالة الملك في خطابات العرش، فان إيجاد احزاب وطنية سياسية اجتماعية قوية، ستكون هي فقط من ينظم الحياة السياسية في الأردن وفق عملية راقية وعصرية ومنهجية في طرح برامجها. مما يجعلنا قادرين على تحقيق طموحات الملك، وترجمتها الى واقع ونهج إصلاح متدرج للوصول الى ميلاد حكومة برلمانية وكما اسلفت؛ شريطة ان يكون هناك حزبين، ولا مانع من وجود أحزاب صغيرة (تشكل ائتلاف)، لتفرز هذه الأحزاب نواب أقوياء، على ان لا يكون هناك حزب رجعي متشدد يشد عكس التيار ، او مدفوع من اجندات خارجية لا تتفق مع المرتكزات الوطنية، فالحزب المعارض او اليسار سيكون مراقبا ومرشدا ومصححا ومقيما للحزب الذي قد يفوز في الحكومة من حيث مستوى أدائها ، كما ان هذه الأحزاب السياسية على أساس برامجها الإصلاحية، ستصبح قادرة على استقطاب غالبية أصوات المواطنين وحتى الحِراكيين، والابتعاد عن مفهوم الانتماء والولاء للمنطقة او البقعة الجغرافية التي يعيشون فيها ، وكذلك الخروج من الدائرة المغلقة التي بكل اسف هي نهج عنصري مغلق وكذلك الكوتات، فاليوم ابن البادية وابن المخيم أصبح يعيش في المدينة او في القرية، ومن ابسط حقوقه الاجتماعية ان يدخل المعركة الانتخابية ضمن المنطقة التي يعيش فيها.
وبكلمة أخيرة؛ ان نبدأ خير من ان لا نبدأ؛ ان هذا النهج العصري والراقي هو الذي سينهي موضوع الحِراك، وهو ما سيجعل المواطن شريكا وعضو فعال في المجتمع من حيث اختيار التمثيل الحكومي، في حكومة يكون من أولوياتها خدمة احتياجات المواطن، والتي قد يكون من أهمها الملف الاقتصادي المريض الذي دخل في ICU ال أي سي يو ، كما ان هذا النهج سيقضي على التوريث النيابي والوزاري والواسطة والمحسوبية والشلالية والفساد والبزنس . وهو سيكون سيف المواطن الذي سيسلط على رقاب الفاسدين اللذين قد يفكرون في النيل من مقدرات ومرتكزات الوطن.