عمان يا حاضرة.. يا أقدم عواصم الدنيا.. المأهولة على مر التاريخ.. والتي يحملها الزمن معه كيفما تغير وتقلب كنزاً ثميناً.. ونجماً لا يعرف الأفول.
عمان التي تتألق وتزدهر مهما ضاقت بها الأحوال أو تغيرت من حال إلى حال. وها هي الآن.. تتوهج مثل شعلة إلهية.. وهاهو مسجدها الحسيني الكبير ..الساطع يتقاطر نحوه الناس كما كانوا يفعلون دوما.. وها هي أسواقها تتلألأ بالزينات ... سوق البخارية والحميدية ومنكو .. تزغرد فرحاً بزائريها وزبائنها.. وبالمتفرجين أو السائحين فيها... ولا يزال سقف السيل يتسلل في عروقها ليتدفق في ثناياها.. ومطاعم هاشم وفؤاد وحدائق عمانية ومتنزهات .. ومقهى حمدان .. تختبئ حيناً وتظهر أحياناً في أعرق الأحياء والحارات.
وأنا.. ابن عمان..الحاضرة الغائبة.. لم أشهد لها مثل هذا الألق.. ولعله اللقاء.. أو لعلها روح العشق لعمان.. روح يعرفها ويعيشها أهل الاردن جميعاً.. فهي التي احتضنتهم.. أو هم احتضنوها بالقلب والعين
. فيها عاش رجالاتها.. وعلماؤها.. وسياسيوها.. ونوابغ الفكر والفن والأدب.. على توالي الحقب. لكنني أنا أرصد الذين يكتبون عنها ولها والذين يرسمونها في الإذاعات وعلى الشاشات وخاصة في المسلسلات أكاد أصبح تائها عنها.. أو هي تغيب عني.. صحيح أنها أصبحت تضم الملايين بعد أن كانت منذ نصف قرن أو أكثر لا تتعدى الألوف بعدد أصابع اليد.. وصحيح أنها التصقت بمن ساكنها وعايشها التصاق الشفاه بالخد .
من اراد ان يرسم عمان ..عليه أن يقبض على سر الزمان وسحر المكان.. فهما وحدهما يشكلان الإنسان… إنها عمان.. لا تنفلت من التاريخ.. ولا تفلت من يدها التاريخ..بل هي تصنعه.. ثم تضمه إلى متحفها الخالد ليكون شاهداً على عظمتها وديمومتها.