ماذا يعني إنتقال الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا؟
داود عمر داود
21-09-2021 12:12 PM
ما جرى من تشكيل حلف عسكري جديد، مكون من أمريكا وبريطانيا واستراليا، يمثل الخطوة العملية الأولى لتطبيق الإستراتيجية الأمريكية، التي وُضعت في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقضت بإنسحاب الولايات المتحدة من أوروبا ومن الشرق الأوسط، كي تركز جهودها على صراع النفوذ بينها وبين الصين.
حرب باردة ضد الصين:
فلم تمضي سوى أيام على إنسحابها من افغانستان، حتى سارعت الولايات المتحدة إلى نقل بؤرة الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا، وبدأت بشن حرب باردة ضد الصين. وتزامن تشكيل الحلف الجديد، وإقامة مصنع للغواصات الأمريكية في استراليا، مع إلغاء الأخيرة صفقةً لشراء غواصات فرنسية، بقيمة 65 مليار دولار، أُتفق عليها منذ عام 2016.
الحلف الثلاثي:
وجاء الإعلان عن (الحلف الثلاثي) خلال مؤتمر قمة افتراضي جمع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ورئيس وزراء استراليا سكوت موريسون. وقد وصف جونسون الحلف الجديد بأنه (شراكة دفاعية ثلاثية جديدة تعرف باسم "أوكوس" AUKUS، بهدف العمل معاً للحفاظ على الأمن والاستقرار في المحيطين الهندي والهاديء).
أما الاسترالي موريسون فقد أعلن عن إقامة مصنع للغواصات في مدينة (أديلايد) الساحلية جنوب استراليا (بالتعاون الوثيق) مع أمريكا وبريطانيا. وسيتطلب ذلك نقلٍ التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة في مجال الغواصات إلى استراليا، التي ستكون ثاني دولة تملكها بعد بريطانيا.
الهدف محاصرة الصين:
يستهدف الحلف الثلاثي محاصرة الصين، من جهة بحر الصين الجنوبي، الذي يدور حوله نزاع أمريكي - صيني، حيث تدعي الصين أنه من ضمن مجالها الحيوي. وفور الإعلان عن تشكيل الحلف، أبرزت استراليا نفسها خصماً عسكرياً للصين، وقالت انها ستعزز دفاعاتها العسكرية لمواجهة القوة الصينية المتنامية، بحصولها على صواريخ كروز الأمريكية بعيدة المدى، وبتكثيف التواجد العسكري الأمريكي على أراضيها. وبذلك ستكون استراليا من ضمن الدول التي إصطفت لتطويق الصين وهي: الفلبين، وتايوان، واليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وأندونيسيا، حيث تتواجد في هذه المنطقة أكثر من 150 قاعدة عسكرية أمريكية.
تهاوي النظام العالمي:
إذا كانت فرنسا قد تلقت (طعنة في الظهر)، بالغاء صفقة الغواصات، وتلطخت سمعة أسلحتها، فإن الطعنة الأشد هي في تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها بالدفاع عن القارة الأوروبية. حيث يشعر الأوروبيون الآن أنه (لم يعد هناك وجود لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ولا وجود للأمم المتحدة ولا وجود لمعالجة الأزمات في الوقت المناسب)، كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية. وهذه هي الركائز التي قام عليها النظام العالمي الحالي، منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الآن على وشك التداعي، من المنظور الأوروبي.
وقد أعاد هذا التطور إثارة مسألة (الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي)، بتشكيل قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن القارة العجوز أمام الأطماع الروسية. وربما تكون تركيا، بعديد جنودها وترسانتها الحربية الحديثة، هي العضو الوحيد في حلف (الناتو) القادر على الوقوف في وجه روسيا.
عيوب الغواصات الفرنسية:
بررت استراليا تخليها عن صفقتها مع فرنسا (لأن الغواصات الأمريكية تناسبها أكثر)، حيث أنها تعمل بالوقود العادي (البنزين). وهذا يضطرها للطفو على سطح الماء مرة كل عدة أيام، لأخذ قسط من الهواء للمساعدة في عملية إحتراق الوقود. كما تضطر الغواصات الفرنسية لدخول الميناء، مرة كل عدة أشهر، للتزود بالوقود. وبالتالي فإن تكرار ظهورها يُسهل اصطيادها من قبل العدو.
أما الغواصات الامريكية فتعمل بالوقود النووي، وتغطس تحت الماء لفترة طويلة، وبذلك تتجنب مخاطر التعرض للضربات. ويدل هذا على مدى تقدم التكنولوجيا الامريكية على الفرنسية، يضاف إلى ذلك أهمية أن يكون سلاح الحلفاء موحداً خلال الحروب.
خلاصة القول: فرصة إنهاء التدخلات الخارجية:
بعد الحرب العالمية الثانية، اتخذت الولايات المتحدة الإتحاد السوفياتي عدواً لها، وقامت بينهما (حرب باردة) متواصلة، وحروب ساخنة اخرى بالوكالة. وظل هذا العداء مدة 40 عاماً إلى أن إنهار الإتحاد السوفياتي.
بعد ذلك انتقلت أمريكا إلى معاداة الإسلام بذرائع واهية، منذ 30 عاماً، شنت خلالها حرباً مدمرة تلو الاخرى على بلاد العرب والمسلمين. ولما أكملت إنسحابها من أفغانستان، في نهاية شهر أغسطس آب 2021، خرج رئيسها بايدن ليعلن أن العداء للإسلام قد انتهى، وان حروب أمريكا العسكرية والفكرية عليه ستتوقف، وأن الصين أصبحت الآن هي العدو الأول لبلاده.
وفي حال كان بايدن صادقاً في التخلي عن العداء للإسلام، ولم يكن كلامه مجرد مخادعة اخرى، فماذا يعني إنتقال بؤرة الصراع الدولي إلى جنوب شرق آسيا؟
يعني انتقال بؤرة الصراع خارج منطقتنا أن هذا التحول ربما يجلب معه فرصة سانحة للشرق الأوسط يجب اقتناصها. تتمثل الفرصة في أن يتمكن العرب والمسلمون من أن يصدوا التدخلات الخارجية، ويستغلوا خيراتهم الوفيرة، ويعيدوا بناء بلادهم المنكوبة، وينهضوا من كبوتهم المؤلمة. ويومها ربما يتحقق حلمُ الشاعر عمر أبو ريشة في أن يصبح لهم (منبرٌ للسيف أو للقلم).