بين «حقائق المصري» و«البدوي» محمود .. التقاط «مغرض» مجدداً وسرديات مضادة لـ«الإفصاح»
بسام بدارين
21-09-2021 12:09 PM
تعيد النقاشات التي استهدفت شخصيات سياسية وأكاديمية بارزة في الأردن خلال الأسبوع الماضي تحديداً، إنتاج المستهلكات الكلاسيكية في استهداف الصراحة أو الحقيقة وسط مشهد ضبابي سياسياً واجتماعياً وإقليمياً، وبالتأكيد اقتصادياً ومعيشياً.
«لا يحتمل المزاج العام الحقائق البيضاء كما هي».. خرج مئات المراقبين السياسيين بهذا الانطباع وهم يحاولون التعاطي مع كيفية الاشتباك إثر إعلان وإشهار سياسي كبير ومخضرم من وزن الرئيس طاهر المصري لكتاب سيرته الذاتية، الذي حمل اسم «الحقيقة بيضاء».
اختار المصري مبكراً هذا العنوان لكتابه الأخير، كما أبلغ «القدس العربي» بهدف وضع شهادات على الواقع من باب المسؤولية الوطنية، ولتشجيع السياسيين الكبار على الإفصاح والتحدث عن الوقائع والحقائق حتى تستفيد المسارات الوطنية، الأمر الذي لفت النظر إليه رجل الدولة الدكتور عون الخصاونة، وهو يشارك في ندوة تقديم لكتاب المصري، موجهاً الشكر والامتنان له على عرضه الجريء لشهادته حول العديد من المواقف.
لدى «القدس العربي» علم مسبق بأن المصري بصفته مؤلفاً للكتاب، تجنب بعض المحطات التي يمكن أن تثير الحساسيات وتقصد الإفصاح المنهجي الذي لا يكثر من الكلام على حساب الوقائع.
رغم ذلك، هوجمت إفصاحات المصري بضراوة من قبل بعض الأقلام والشخصيات السياسية التي لا يناسبها قول الحقائق والوقائع في العادة، رغم أن الأحداث التي تسردها أوراق سياسي مثل المصري ليست أكثر من عرض مجرد لما كان يحصل، وانطلاقاً من زاوية المصري نفسه كمشارك في بعض الأحداث ودون ادعاء من مؤلف الكتاب بأن زاوية القراءة هي الوحيدة.
بوضوح، كان المعارض المعروف المهندس ليث شبيلات أول من فتح النار سياسياً على أوراق المصري عندما تضمنت حواراً جمعهما في الماضي، له علاقة بلجنة تحقيق في ملفات فساد ترأسها الشبيلات في برلمان عام 1989. خشونة الشبيلات في التحدث عن كتاب المصري كانت واضحة للعيان، وبالنسبة للمقربين من الثاني لم تكن مبررة منطقياً؛ لأن الحدث المختلف على سرديته هنا يتعلق بزاوية في قراءة المصري لم يكن شبيلات مطلعاً عليها.
والعكس صحيح؛ بمعنى أن وجود روايتين لنفس الحدث قد يكون أمراً طبيعياً لا يستوجب تفكيك الشبيلات، وهو معارض وطني مهم ولديه ثقل اجتماعي لعزلته وصمته السياسي والعودة لمسرح الأحداث عبر اتخاذ قرار انطوى، برأي المراقبين، على مبالغة، وعنوانه الهجوم على المصري لإعادة سرد ما كان يحصل في تلك المرحلة.
في كل حال، حجم التوافق الذي تحظى به شخصية مثل المصري لا يضيره نقد هنا أو سرد مخالف هناك، وبعض الأقلام التي استندت إلى مداخلة مصورة للشبيلات في إعادة الهجوم على المصري تعيد في الواقع إنتاج موقف مضاد للإفصاحات التي يطالب الجميع كبار شخصيات ورموز الدولة فيها الآن من باب الحرص الوطني المسؤول.
لم يكن المصري وحيداً في مثل هذا الالتقاط المغرض سياسياً، فقامة أكاديمية مثل وزير التعليم العالي الأسبق وأحد مؤسسي جامعات الأردن، وهو الدكتور أمين محمود، تعرضت أيضاً لحملة فيها من الدراما السياسية الكثير، وبناء على عملية منقولة فقط، ولم تكن دقيقة، ولها علاقة بأحد اجتماعات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
«البدوي» الأردني البروفيسور محمود، وجد نفسه أمام حملة مزاودة بذريعة أنه اتهم بعض المكونات الاجتماعية، ومن بينها البدو في الأردن، بإعاقة الإصلاح السياسي، وبناء على نقاش منقول فقط، حيث بادرت منابر تزعم التحدث باسم المكون الاجتماعي البدوي لحملة ضد شخصية مثل أمين محمود يمكن الخلاف معها سياسياً وعلمياً، لكن لا يمكن الخلاف عليها في الدور والبصمة والتأسيس.
كل ما فعله أمين محمود قبل اصطياد اسمه ومحاولة تشويه موقفه هو عرضه لمقالة منشورة خلال اجتماع فني دون أي همسة تظهر تبني مضمون تلك المقالة قبل أن يسرب أحدهم وبطريقة محرفة تلك الواقعة الصغيرة للخارج.
وعلى الأرجح، الحديث هنا عن تسريب مغرض له علاقة بسلسلة أعمق وأكبر من التسريبات التي تستهدف مضمون ومنطوق رموز اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فالبروفيسور محمود لا يمكنه الإساءة للمكونات البدوية؛ لأنه ببساطة -وكما نقل عنه- بدوي أصلاً وأيضاً.
في كل حال، ما حصل من استهداف لعدة شخصيات مؤخراً مثل المصري ومحمود وغيرهما، مؤشر جديد ينبغي تأمله على كلفة الاستعجال في التعاطي والاشتباك مع ما تقوله منصات وصفحات التواصل دون تحقق، حتى أن بعض الأقلام المتوازنة والمسؤولة تتورط في المنقول المحرف هنا وفي بناء مواقف بناء على وقائع لم تحصل.
ما يعانيه سياسيون كبار في المشهد النخبوي الأردني من محاولات تشويه أصبح مرافقاً لكل محاولات ومشاريع الإفصاح والتحدث مع الناس وعنهم بصراحة، ويبدو أن بعض الجهات الرسمية والاجتماعية لا تهتم بالاستدراك والاحتواء هنا، فيما تنميط مثل هذا الجدل يرافق بين الحين والآخر تلك الأزمة المستوطنة بعنوان ما يصدقه أو ينقله المواطنون من سرديات سلبية على المنصات لوقائع لا تعرض كما حصلت.
القدس العربي