قراءَة متأنية في المرجعية الفكرية للدولة الأردنية
د.أحمد بطاح
19-09-2021 05:23 PM
قبل يومين نشرت عمون الإخبارية مقالةً مهمة لمعالي الأستاذ الدكتور سعيد التل بعنوان " المرجعية الفكرية للدولة الأردنية " ولأهمية هذه المقالة فقد عكفت على قراءَتها أكثر من مرة محاولاً أن أخرج منها ببعض الملاحظات التي يمكن أن تفيد القارئ، ولعلّي أُلخص هذه الملاحظات على النحو الآتي:
أولاً : كاتب هذه المقالة هو مفكر أردني شغل نفسه بقضايا الوطن والأمة منذُ فترة طويلة جداً، وقد قدم للمكتبة عدداً من المؤلفات القيمة في مجال التربية بشكلٍ عام والتربية السياسية بشكل خاص فضلاً عن ترؤسه لإحدى الجامعات الأردنية لأكثر من ثلاثة عشر سنة، وكونه " استاذ شرف " في الجامعة الأردنية، وبالإضافة إلى ذلك فقد شغل عدداً من المواقع السياسية الهامة، حيثُ كان نائب لرئيس الوزراء، ووزيراً للتربية، والإعلام، والمواصلات، والتعليم العالي، ومن الجدير بالذكر أنه تم أختياره عضواً في مجلس الأعيان أكثر من مرة وعضواً في لجنة التعديلات الدستورية الأخيرة.
ثانياً : يؤكد الدكتور التل أنّ الدولة الأردنية ما زالت بحاجة إلى مرجعية فكرية، والواقع هو أن الدولة الأردنية لديها مرجعية فكرية جوهرها مجمل المرتكزات التي ذكرها في مقالته ولكنها ليست موثقة، ومعتمدة رسمياً. ويظل السؤال المطروح هو : هل لكل دولة مرجعية فكرية موثقة، ومعتمدة رسمياً؟
ثالثاً : يرى الدكتور التل أن " لجنة تحديث المنظومة السياسية " يمكن أن تعتمد المرتكزات التي وردت في المقالة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل مهمة لجنة تحديث المنظومة السياسية الخلوص إلى مرجعية فكرية أم تحديث المنظومة السياسية، وبالذات ما يتعلق بقانوني الإنتخاب والأحزاب تحديداً لإغناء الحياة السياسية، وتعظيم فرص مشاركة المواطنين في أمور وطنهم؟.
رابعاً : ذكر الدكتور التل أنّ الأحزاب الأردنية يجب أن تنتمي للدولة الأردنية أرضاً وشعباً ونظاماً، ومع أنه لا خلاف على ذلك مبدئياً، إلا أن البعض قد يفهم من ذلك أنّ المطلوب من الأحزاب الأردنية أن تكون " قُطرية " بكل معنى الكلمة، وأن تنسلخ عن أفقها العربي، والإسلامي، والإنساني.
خامساً : في معرض حديثه عن القضية الفلسطينية أورد الدكتور التل ضرورة دعم الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولته المستقلة على أرض وطنه فلسطين وعاصمتها " القدس العربية "، ولكن ماذا تعني القدس العربية في ظل مصطلحات : القدس الغربية ، والقدس الشرقية، والقدس الموحدة، أليس من الأفضل النص على " القدس الشرقية " الذي ورد في قرارات مجلس الأمن التي أعتبرت الضفة الغربية أرضاً محتلة بما فيها القدس الشرقية، وهو الذي يتسق مع مفهوم حل الدولتين التي يطالب به الفلسطينيون والأردن، والمبادرة العربية.
سادساً : لم يختلف المرتكز الحادي عشر الذي يتحدث عن النظام الاجتماعي في جزءٍ من مضمونه عن المرتكز الثالث والعشرين، حيث يؤكد هذا المرتكز على " احترام رأي الأغلبية والقبول به "، وهو في الواقع جوهر المرتكز الثالث والعشرين الخاص بالديموقراطية ومأسسة العمل السياسي.
سابعاً : كان من الأفض فصل البعد الأخلاقي الذي ورد في المرتكز الثامن عشر لأهميته ووضعه في سياق مرتكز خاص به.
ثامناً : في حديثه عن النظام الاقتصادي طالب الدكتور التل بنظام اقتصاد وطني يقوم على " مبادئ الحق والعدل والمساواة "، وحبذا لو حدّد أكثر شكل هذا الاقتصاد، وأجاب لنا عن السؤال الآتي : هل يستطيع الأردن في ضوء ظروفه وامكاناته اختيار نمط الاقتصاد الذي يريده حقاً؟
تاسعاً : في معرض حديثه عن مأسسة العمل السياسي اقترح الدكتور التل " عدداً معقولاً من الأحزاب "، ولكن هل الدولة هي من تحدد عدد الأحزاب أم أنّ الأحزاب تنشأ كتعبير عن مصالح وتوجهات المواطنين، وبالتالي لا معنى لتحديدها بعدد، ولكن بعبور " نسبة معينة " لكي تستحق أن تكون ممثلة في البرلمان.
عاشراً : عند تعرضه لموضوع السياسة الخارجية في المرتكز الخامس والعشرين أشار الدكتور التل إلى ضرورة الالتزام بسياسة خارجية خاصة مع جميع الدول الأجنبية، ولعلّ ذلك لم يكن متسقاً مع ما أورده في المرتكز السادس والعشرين حول ضرورة الالتزام بسياسة خارجية متوازنة ( أي مع جميع الدول بغض النظر عن ديانة شعوبها ) بشرط ارتباطها بالمصالح الوطنية الأردنية والتزامها بجميع المواثيق الدولية.
وأخيراً فإنّ هذه الملاحظات لا تقلّل بأيّ حال من الأحوال من القيمة الفكرية لما أورده الدكتور التل من مرتكزات تستحق التأمل بل والإعتماد بالمنهجية المناسبة من قبل المؤسسات المعنية في الدولة الأردنية، فالدولة الأردنية إذ تعبر إلى المئوية الثانية تستحق أن يكون لها مرجعية فكرية يتوافق عليها الأردنيون بشكل عام، وتمثل لهم منارة فكرية يستضيئون بها في طريقهم الموعود بإذن الله إلى المستقبل.