سعيد التل والمرجعية الفكرية للدولة الأردنية
السفير الدكتور موفق العجلوني
19-09-2021 02:38 AM
اطل علينا معالي الدكتور سعيد التل بورقة هامة منشورة في وكالة عمون الغراء يوم امس بعنوان: "المرجعية الفكرية للدولة الأردنية " ، ويوصي بآن تكون هنالك مرجعية ملزمة للأردن وللدول العربية ولسلطاتها ومؤسساتها ومرافقها ونقاباتها وأحزابها. حيث تطرح هذه الورقة مسودة مشروع مرجعية فكرية للدولة الأردنية على صورة مرتكزات، لتصبح بعد دراستها وإقرارها من اللجنة الملكية للإصلاح السياسي مشروع مبادئ، وبعد أن تقر بالاقتراع العام تصبح المرجعية الفكرية للدولة الأردنية. وأن تُعتمد هذه المرجعية الفكرية للإصلاح السياسي، الذي ينادي به ويتولى رعايته جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله.
وحسب رأي معالي الدكتور التل فآن الدولة الأردنية، لا تزال تفتقر إلى مرجعية فكرية موحدة واحدة. وبالتالي فأن هذه الورقة تطرح تصوّراً لتطوير مرجعية فكرية للدولة الأردنية، من خلال المرتكزات الـ ٢٧ التي جاءت بالورقة لتكون المرجعية الفكرية الواحدة الموحدة للدولة الأردنية. ويبرر معالي الدكتور التل وجوب وجود هذه المرجعية كون كثيراً من دول العالم تقوم سياساتها وسلطاتها ومؤسساتها ومرافقها ونقاباتها وأحزابها وغيرها، على مرجعية فكرية واحدة محددة. وتتوزع دول العالم بالنسبة لهذه المرجعية الفكرية على نوعين رئيسيين. الأول وهو الغالب، وفيه تكون المرجعية الفكرية وحدة محددة نصاً، والثاني وتكون المرجعية فيه مدركة ضمناً.
ونظراً لغياب مرجعيات فكرية واحدة موحدة فقط تطورت مرجعيات سياسية مختلفة، فتطورت وعلى سبيل المثال مجموعات سياسية طرحت الإسلام كمرجعية فكرية، وبعضها الفكر العربي القومي، وبعضها الفكر الماركسي، وبعضها الفكر الاشتراكي وهكذا، وبسبب غياب جوامع مشتركة بين الأغلبية، برزت صراعات وخلافات حادة، وأحياناً داخلية انعكست على أمن واستقرار بعض الدول العربية.
اتفق جملة و تفصيلا مع معالي الدكتور التل، انه وبفضل حكمة قيادتنا الحكيمة وعلى مختلف مستوياتها وعلى رأسها جلالة الملك عبد الله عبد الله ، وبفضل وعي المواطنين ، تجنب الاردن الكثير من هذه الصراعات. رغم ان الأردن او بالأحرى الدولة الأردنية لا تزال تفتقر إلى مرجعية فكرية واحدة موحدة محددة. من هذا المنطلق يمكن القول، وحسب رأي الدكتور التل، إن وضع مرجعية واحدة محددة فكرية للدولة الأردنية قد يكون المهمة الأساسية للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. ويرى الدكتور التل ان هذه المرجعية يجب ان تكون قاعدة سياسات الدولة وسلطاتها ومؤسساتها ومرافقها ونقاباتها وأحزابها بحيث تكون قاعدة لقوانين الدولة بصورة عامة، وبصورة خاصة قاعدة لقانون التربية والتعليم، وقانون الإعلام وقانون الأحزاب وقانون النقابات. و ربما يكون لدى دولة السيد الرفاعي رئيس اللجنة رأياً اخر، الله أعلم ... لا بد ان نسمع من دولته بصفته رئيس اللجنة وهو المعني بذلك .
لن اخوض بتفاصيل الورقة والمرتكزات السبعة والعشرين الواردة في الورقة والتي استند اليها الدكتور التل، والتي باعتقادي هي ليست بجديدة، وجميع المرتكزات ال ٢٧ التي اسْتُند اليها وردت أصلاً بالدستور الأردني وتفصيلاتها وردت في الأوراق النقاشية السبعة لجلالة الملك. وأعتقد ان مرجعيتنا الفكرية واضحة منذ عام ١٩٢١ ، لا بل منذ أن بدأ الشريف حسين وأولاده مشروع النهضة العربية.
علاوة على ذلك فقد اوشكت اللجنة الملكية على الانتهاء من مخرجاتها، وان مثل هذه الاقتراحات قد تربك اللجنة وتضعها في حالة من التيه والتشتت. علاوة على الردود الشعبية السلبية التي توجه للجنة أصلاً.
و هنا ارغب بطرح سؤالاً هاما على معالي الدكتور التل وكافة المسؤولين في الدولة عندما تم اطلاق رصاصة الرحمة على أصحاب الفكر النير من الاردنيين والاردنيات عندما قامت الدولة بإحالة كل من بلغ سن الستين او اكمل ٣٠ عاماً من الوظيفة الحكومية الى (موت وانت قاعد) .
ان اطلاق هذه الورقة من قبل معالي الدكتور التل في هذا العمر والذي ندعو له بالصحة والعافية والعمر المديد جاءت بعد سن الستين لا بل بعد سن السبعين و اضيف من البيت شعراً بعد سن الـ ٨٠ ، و هذا دليل أكيد ان قرار إحالة كل من هم بلغوا سن الستين قرارا خاطئاً و ظالماً و مجحفاً ١٠٠% ، فما هو الحال بمن اكملوا ٢٥ -٣٠ عاما في الوظيفة الحكومية و هم في سن الخمسينات و احيلوا على التقاعد .. !!!
من اين سيأتي الفكر والابداع الذي يطالب به الدكتور التل، عندما تقوم الحكومات بإحالة هذه العقول صاحبة الفكر و الابداع والابتكار والمعرفة على المعاش بمفهوم، ( ما عاش ، أي بعبارة أخرى انت بلغت الستين فأنت في عداد الأموات )... !!!
لم افهم اطلاقاً مطالبة استاذنا الكبير معالي الدكتور التل ان تكون هذه المرجعية الفكرية "الأردنية " بمرتكزاتها الـ ٢٧ مرجعية ملزمة للدول العربية ولسلطاتها ومؤسساتها ومرافقها ونقاباتها وأحزابها. فاذا كانت هذه "المرجعية الفكرية" قيد الطرح في الأردن وربما تواجه بالقبول وربما تواجه بالرفض، فكيف نطالب بأن تلتزم بها الدول العربية، وكما هو معلوم كل منها يغنى على ليلاه ...!!!
في دراسة نشرتها مجلة نيو انجلاند اوف مديسين , New England Journal of Medicine يقول مدير كلية الطب بجامعة جورج واشنطن إن دماغ الشخص المسن أكثر مرونة مما يُعتقد. في هذا العصر يصبح تفاعل نصفي الدماغ الأيمن والأيسر متناغمًا، مما يوسع إمكانياتنا الإبداعية. هذا هو السبب في أنه من بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن ٦٠ عامًا، يمكنك العثور على العديد من الشخصيات التي بدأت للتو أنشطتها الإبداعية، بالطبع، لم يعد الدماغ بالسرعة التي كان عليها في الشباب، ومع ذلك فإنه يفوز في المرونة. لهذا السبب، مع تقدمنا في العمر، من المرجح أن نتخذ القرارات الصحيحة وأقل تعرضًا للمشاعر السلبية. تحدث ذروة النشاط الفكري البشري عند حوالي ٧٠ عامًا، عندما يبدأ الدماغ في العمل بكامل قوته. و مع مرور الوقت، تزداد كمية المايلين في الدماغ، و هي مادة تسهل المرور السريع للإشارات بين الخلايا العصبية (والتي تُشكِّل هذه الطبقات الغِمد المَيَالِينيّ myelin sheath، و يشبه الغمد المياليني المادة المُحيطة بالأسلاك الكهربائية، ويتُيح جريان الإشارات الكهربائية على طول الألياف العصبية بسرعةٍ ودِقَّة) . ونتيجة لذلك، زادت القدرات الفكرية بنسبة ٣٠٠٪ مقارنة بالمتوسط. وتقع ذروة الإنتاج النشط لهذه المادة في عمر ٦٠-٨٠ سنة. و من المثير للاهتمام أيضًا حقيقة أنه بعد ٦٠ عامًا، يمكن لأي شخص استخدام نصفي الكرة في نفس الوقت. هذا يسمح بحل مشاكل أكثر تعقيدًا.
ويشير البروفيسور مونشي أوري من جامعة مونتريال أن دماغ الشخص المسن يختار المسار الأقل استهلاكًا للطاقة، ويترك فقط الخيارات الصحيحة لحل المشكلة. هذا وقد أجريت دراسة شاركت فيها فئات عمرية مختلفة، حيث كان الشباب مرتبكين كثيرًا عند اجتياز الاختبارات، بينما اتْخَذ من تجاوزت أعمارهم الستين القرارات الصحيحة. و يضيف البرفسور اوري، دعونا الان نلقي نظرة على ملامح الدماغ في سن ٦٠-٨٠ :
• الخلايا العصبية في الدماغ لا تموت، كما يقول كل من حولها. تختفي الروابط بينهما ببساطة إذا لم ينخرط الشخص في عمل عقلي.
• يظهر الغياب والنسيان بسبب كثرة المعلومات. لذلك، لا تحتاج إلى تركيز حياتك كلها على تفاهات غير ضرورية.
• ابتداءً من سن الستين، لا يستخدم الشخص عند اتخاذ القرارات نصفي كرة واحد في نفس الوقت، مثل الشباب، ولكن كلاهما.
• الخلاصة: إذا كان الشخص يعيش حياة صحية، ويتحرك، ويمارس نشاطًا بدنيًا ممكنًا ولديه نشاط عقلي كامل، فإن القدرات الذهنية لا تنخفض مع تقدم العمر، بل تنمو فقط، وتصل إلى ذروتها في سن ٨٠-٩٠ عامًا. لذلك لا تخافوا من الشيخوخة.
و للمحافظة على نشاط الدماغ يجب :
• اهتم بالحياة، التقِ بالأصدقاء والتواصل معهم، ضع خططًا للمستقبل، سافر بأفضل ما يمكنك.
• لا تنس الذهاب إلى السوق والمقاهي والحفلات الموسيقية.
• لا تحبس نفسك وحدك، فهذا مدمر لأي شخص.
• عش مع الفكر: كل الأشياء الجيدة لا تزال أمامك.
وجدت دراسة في الولايات المتحدة تشير الى أن:
• السن الأكثر إنتاجية للفرد هو ٦٠ إلى ٧٠ سنة.
• المرحلة البشرية الثانية الأكثر إنتاجية هي العمر من ٧٠ إلى ٨٠ سنة.
• المرحلة الثالثة الأكثر إنتاجية - ٥٠ و٦٠ سنة.
• متوسط عمر الحائزين على جائزة نوبل ٦٢، و متوسط عمر رؤساء أكبر ١٠٠ شركة في العالم هو 63 عامًا، و متوسط عمر الرعاة في أكبر ١٠٠ كنيسة في الولايات المتحدة هو ٧١ ، و متوسط عمر الأب ٧٦ سنة.
• هذا يؤكد أن أفضل سنوات الشخص وأكثرها إنتاجية تتراوح بين ٦٠ و٨٠ عامًا.
وتؤكد الدراسة التي قام بإعدادها فريق من الأطباء وعلماء النفس في NEW ENGLAND JOURNAL OF MEDICINE. أنك في سن الستين تصل إلى ذروة إمكاناتك العاطفية والعقلية، ويستمر هذا حتى بلوغك ٨٠ عامًا. فعندما تصل في هذا العمر أي: ٦٠ أو ٧٠ أو ٨٠ عامًا، فأنت في أفضل مستوى في حياتك.
و بالتالي فان إحالة من بلغوا سن الستين فما فوق على التقاعد، هو عنوان التخلف الفكري والتخلف الحضاري، و التخبط الإداري، و من هنا اذا استمرت الدولة على هذا الحال، فلن تقوم لنا في الأردن أي قائمة ابداع فكري و سنبقى نحوم بين " موت وانت قاعد او احيل على ما عاش" . ولن يكون لدينا مرجعية فكرية واحدة موحدة محددة مدى الحياة.