المستشفيات الحكومية والخروج من الأزمة
رولا نصراوين
18-09-2021 07:14 PM
أمضيت الأيام الثلاث الماضية في وعكة صحية عابرة في سريري في البيت، تلقيت لها علاجاً سريعاً في مستشفى خاص، لساعة متأخرة من الليل لم يكن هناك في قسم الطوارئ إلا أنا وسيدة أخرى مسنة وصلت تواً من المطار ورجل يبدو أن لديه أعراضُ ذبحةٍ صدريةٍ حادة في الغرفة المجاورة. أنهيت العلاج وصور الأشعة وفحوصات الدم ووجب عليّ بأمر من طبيبين وثلاثة ممرضين واثنين من فنيي الأشعة المكوث داخل جدران منزلي دون حراك بين ألم حاد في القدم اليمنى وخدوش بالركبة اليسرى وهاتف حديث وكمبيوتر متنقل يمنحاني ترف مراقبة الكون دون ملل...
وحدث أني تفاعلت كثير بالأيام الماضية على الاحداث المتتالية التي حصلت في مستشفيات القطاع العام وشعرت بالغضب والحزن الشديدين على فقد عدد من الضحايا الأبرياء نتيجة الإهمال والأخطاء الطبية التي أودت بحياتهم والسخط على تردي الحالة الصحية التي وصل لها هذا القطاع، ولكني اليوم أشعر بالوجع والغُبن أكثر بعد ما مررت جسدياً بحالة من الألم والوجع الشديد انحسر فيها تفكيري فقط بالألم؛ ماذا يفعل مريض لا يجد ما يُسَكّنُ نار أوجاعه في أحشائه! ماذا تفعل طفلة لا تملك سوى الصراخ للتعبير عن احتضارها من زائدة دودية!! أين يذهب رجل بزوجته لعملية تنظيفات في الرحم بسيطة دون أن تفقد حياتها!! كيف نحمي طفلاً من بربيش في مجرى البول تم تركيبه بالخطأ! كيف ننقذ أنفسنا ونحن الغارقون في مركب واحد، مركب يحمل القادر منا ويستثني فقير الحال فينا!
ربما كان علينا في هذا البلد الصابر ونحن نحاول عمرنا الخروج من عنق الزجاجة والتفكير خارج الصندوق، أن نجد حلولاً تُسهم ولو بشيء يسير في تحمل العبء الحاصل خاصة وأن المعضلة الآن تتمحور حول أغلى ما نملك وهو الإنسان، وقد صرحت وزارة الصحة في تعليقها حول الحوادث المتكررة الأخيرة بإحصائية بسيطة أن هناك في مستشفيات القطاع العام طبيب واحد لعلاج مائة حالة وممرض واحد لمتابعة ثلاثمائة حالة باليوم الواحد، أي بعكس الوضع القائم في مستشفيات القطاع الخاص والدليل شاهدته بأم عيني.
إن ما يحدث اليوم في قطاعنا الصحي يضعنا جميعاً بلا استثناء أمام مسؤولية كبيرة تجاه أنفسنا وتجاه أخوتنا الأقل حظاً في الرعاية الصحية، علينا ومن باب المسؤولية المجتمعية أن نقترح الحلول لا أن نستسلم للبديهيات؛ لماذا لا يتم رفد أقسام الطوارئ في المستشفيات الحكومية بأطباء مقيمين وممرضين ممارسين من المستشفيات الخاصة بشكل دوري، بحيث تكون مهمة الطبيب والممرض الدوام بواقع أسبوع واحد شهرياً في هذه المستشفيات كخدمة عامة وتتحمل المستشفى تغطية راتب كوادرها كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، وبالتالي ترتفع أعداد الكوادر الطبية لتسمح بتغطية أكبر عدد ممكن من الحالات الطارئة يومياً؟ لماذا لا يتم فتح باب التطوع لأطباء القطاع الخاص المتقاعدين منهم والأخصائيين وتقديم حافز ضريبي لهم سنوياً في حال تطوعوا بشكل دوري ومثبت في سجلات المستشفيات الحكومية للمساعدة بالتشخيص والعلاج للحالات المستعصية؟ لماذا لا تشجع نقابتي الأطباء والممرضين حلولا تطوعية تهدف للخدمة المجتمعية من المختصين والمتقاعدين؟!
دائما هناك طرق مختلفة للحل، دائما هناك الوسائل ... إذا جمعناها معاً اهتدينا للطريق!