مئوية البحث والتطوير والثورات التقنية
د . خالد الوزني
15-09-2021 12:08 AM
قراءات استشراف المستقبل المتعددة حول العالم تشير بشكل واضح إلى أنَّ البشرية مُقبلة على ثورات معرفية تقنية، تكنولوجية، رقمية، ومتسارعة في كافة مجالات القطاعات الاقتصادية والصناعية والزراعية والخدمية، وعلى وجه الخصوص في مجال لوجستيات عمل القطاعات، وسلاسل التوريد وسبل التواصل والتوصيل.
ولعلَّ متطلبات نجاح الدول في اللحاق بتلك الثورات والاستفادة منها، والدخول في عالم الإنتاج والتسويق والتزويد والتنافس تكمن في محاور أساسية خمسة؛ تتلخص في توافر الطاقات الشابة المؤهلة، والإمكانات التقنية والبنية التحتية الحاضنة لها، والقدرات البحثية والتطويرية، وخاصة في بيوت المعرفة من جامعات ومراكز بحث وتطوير، والقدرة على التحول نحو مجتمع المعرفة، باستخدام قواعد البيانات الكبيرة وفضاء المعرفة الرقمي، وأخيراً وليس آخراً، توافر الموارد الاقتصادية والطبيعية والبشرية القابلة للتطوير والاستغلال.
الدول التي تمتلك تلك المتطلبات ستنهض لتكون في مقدمة الدول المتطورة في كافة مجالات وقطاعات الاقتصاد. والثورات القادمة، وعلى نحو متسارع، وضمن العقد الحالي، والعقد القادم على أقصى تقدير، ستحول المعرفة إلى رقمنة في كافة المجالات، بما في ذلك المجالات النقدية والمصرفية والتجارية، وهي ثورات ستضاعف الناتج المحلي الإجمالي بمنظومة متتالية هندسية، وبشكل سيخلق ثروات مالية ونقدية رقمية، أكثر منها ملموسة.
وتشير التقارير الدولية الحديثة إلى أنَّ التبادل التجاري الإلكتروني بين المؤسسات والأفراد حول العالم تجاوز نسبة 30% من الناتج الإجمالي العالمي، وبمبلغ وصل إلى نحو 27 تريليون دولار تقريباً.
الشاهد من ذلك كله، أنَّ المئوية القادمة ستتطلَّب تخطيطاً يقوم على أسس استشراف المستقبل للسنوات الخمسين القادمة، أو على الأقل للفترة حتى 2050، شريطة أن يكون استشرافاً يقوم على بناء خطط استراتيجية قابلة للتطبيق لكل عشرة أعوام، وتحت الرعاية الملكية، وضمن مهام واهتمام ومتابعة حثيثة من قبل مكتب ومؤسسة ولي العهد، وبحيث يتم التركيز في الخطط العشرية، بشكل أساس، على التوجهات العالمية عبر قنوات البحث والتطوير. ما يعني بالضرورة زيادة الإنفاق على البحث والتطوير في كافة مجالات الاقتصاد الوطني؛ الزراعية والصناعية والخدم?ة واللوجستية، إضافة إلى الاستثمار بشكل أكبر في مجالات تطوير مهارات وإنتاجية العنصر البشري.
مئوية البحث والتطوير، والتي تتطلب الربط العضوي المباشر مع الجامعات ومراكز البحث، يجب أن تستهدف ضمن خطط استشراف المستقبل، محاور أربعة أساسها التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني. والمحور الأول بالضرورة محور الرشاقة المؤسسية الذي يقوم على تحويل الترهل الإداري إلى رشاقة تقوم على الرقمنة، والحاكمية الرشيدة، واستخدام البيانات الكبرى، والتحوُّل الكامل نحو التطبيقات الذكية، والعمل التقني.
المحور الثاني للمئوية الثانية المُعتمدة على البحث والتطوير، يجب أن يقوم على التحوُّل من مفهوم التعليم التقليدي القائم على منح الشهادات، إلى التعليم المعرفي العلمي، والمهني والتقني القائم على التزويد بالمهارات، وخاصة في مجال اللغات، والرقمنة، ومهارات الاتصال والتواصل.
المحور الثالث يقوم على أساس التحوُّل الكامل من فِكْر طلب المساعدات، إلى ثقافة جذب الاستثمارات، وخاصة من الصناديق السيادية للدول التي اعتادت منح المساعدات. وهو محور التحوُّل نحو جذب استثمارات كبيرة في مجالات البحث والتطوير في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، وتصدير نتاج تلك الاستثمارات إلى دول المنطقة، ليتحوَّل الاقتصاد إلى خزان أفكار المنطقة في مجالات البحث والتطوير، وهذا بالضرورة سيدر عليه دخلاً استثمارياً كبيراً للغاية.
وأخيراً وليس آخراً، يتلخَّص المحور الرابع في تحويل تحدي العُجوزات المالية والتجارية إلى فوائض، عبر استثمارات البحث والتطوير، والتقنية المتطورة، والرقمنة واستغلال البيانات الكبرى وإنترنت الأشياء.
محصلة ما سبق كله تتلخص في أنَّ دولاً عديدة وكيانات متعددة حول العالم نجحت في المحاور الأربعة، وتحوَّلت من دول في أدنى درجات النمو والتنمية، إلى دول ناشئة متطورة.
الفرصة قائمة ومئوية البحث التطوير مخرجنا الوحيد نحو مسبار التطور ومواجهة كافة التحديات وتحويلها إلى فرص حقيقية.
(الرأي)