هويتنا الوطنية بين الخصوصية والعالمية: تمايز موهوم أو تآمر مزعوم!
د. محمد ناجي عمايرة
13-09-2021 11:06 AM
يصعب فصل القضايا والشؤون المحلية عن القضايا القومية والدولية في كثير من الحالات، وفي العديد من الدول، وخاصة دولنا العربية، ذلك أن التأثر والتأثير المتبادل موجودان وواضحان ومتلازمان.
وفي ظل هذا التداخل المباشر أحياناً، وغير المباشر أحياناً أخرى، تصبح الخصوصية التي ترتبط بالهوية والسّمة الوطنية أقل وضوحاً وأضعف أثراً، من سواها من السمات، دون أن نتجاهلها أو نعتقد أنها انتهت.
وبالقدر الذي كانت فيه كثير من الدول والأمم والشعوب شديدة الاعتزاز بخصوصيتها وهويتها قديماً فإن هذا الملحظ أخذ في التضاؤل بسبب ما خلفته عوامل التغيّر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى الديموغرافي والبيئي والجغرافي من تأثير على هذه الخصوصية لمصلحة العمومية والتداخل والتشابك في جدلية تبدو وكأنها ابنة اللحظة، كما يقال، لكنّها كانت ذات "رسيس قديم " لا ينفك يظهر أو يغيب وفقا لتلك العوامل المؤثرة أو الفاعلة فيه أيضاً.
غير أن الحال في البلاد العربية تبدو أكثر تأثراً بهذا كله في عصر العولمة وما بعدها، وهنا كانت التخاصية في الاقتصاد حالة من الإرباك أكثر منها عاملاً مساعداً على النهوض، بل إنها ساهمت في تراجع التطور الاقتصادي، وغيبت أية خصوصية للاقتصاد الوطني لصالح عالمية مشبوهة ولخدمة "كارتلات" اقتصادية ذات أهداف مضادة للمصالح الوطنية والقومية.
ونرى أن كثيراً من قضايا الفساد التي تنهش المجتمعات العربية وتنهب ثرواتها هي نتاج هذه التداخلات التي لا تبدو أنها على صلة بها في نظر بعض الناس، بخاصة اولئك الذين يركزون على تحصيل لقمة العيش ليس غير.
وهذا ما انعكس أيضا، على المستويات الأخلاقية والقيمية لمجتمعاتنا، وأخل بها أو قاد إلى تغيرات سلبية وأودى بكثير من القيم الثقافية التي هي موضع الاعتزاز والاعتداد والفخر، مما جعلها تأخذ مستوى متأخراً في مصفوفة الاهتمامات في مجتمعات اليوم.
ولسنا هنا في موضع التفصيل غير أنها ملاحظات تتبدّى بين حين وآخر، وتلوح بوصفها سمات جديدة، أو كأنها لمجتمعات جديدة، تتباعد عن تلك السمات التي أعطت المجتمعات القديمة سداها ولحمتها وقسماتها الفارقة.
وإذا دققنا النظر في المعطيات والأبعاد التي توفرها لنا القضايا المحلية والوطنية وتلك التي تتماهى مع النظر إلى الأفق القومي، والبعد الإنساني نجد أن الجوامع بينها أكثر من الاختلافات. ولهذا تشعر كثير من المجتمعات بأنها باتت أكثر اقتراباً من "مجتمع القرية الكونية" ، وعلى الرغم من أن هذا المصطلح الأخير هو مصطلح "عولمي" بامتياز، غير أن ما وصلنا منه هو بعض سلبياته، وفاتنا كثير من إيجابياته، وهو ما أدى بنا إلى النكوص والوقوع أسرى تمايز موهوم، أو تآمر غير مفهوم!
mna348@gmail.com