: " الحلقة الثانية عشرة " في سنة 629 م أعاد هرقل تأسيس المملكة الغسانية ، بعد انتصاراته على الفرس ، ونصب جبلة بن الأيهم ملكا عليها ، وكانت حدود المملكة الغسانية تشمل معظم أنحاء شرقي الأردن .
وكانت بلاد الشام ومن بينها الأردن قد تعرضت للغزوات الخارجية خاصة غزوات الفرس التي كانت تستهدف حدود الإمبراطورية البيزنطية الشرقية ، في محاولة للسيطرة على الشام ، وقد تمكن الفرس فعلا من احتلال سوريا وفلسطين والأردن ، فقد استمرت سيطرتهم على البلاد من عام 614- 629 م فقاموا خلال هذه الفترة بهدم الكثير من الكنائس ، ولكن الإمبراطور هرقل أو هيركوليس قد تمكن من استعادة سيطرة البيزنطيين المسيحيين على بلاد الشام عام 629 م .
وقد شهد الأردن أثناء الحكم البيزنطي أعمالا إنشائية كثيرة ، إذ أن مدناً بنيت خلال العهد الروماني استمرت في ازدهارها ، وازدادت أعداد السكان في المنطقة زيادة كبيرة . كما أصبحت المسيحية ديناً مقبولاً في المنطقة وأخذت الكنائس تنتشر في طول البلاد وعرضها. وبنيت تجمعات من الكنائس الصغيرة في بعض أنحاء شرقي الأردن بجانب مجموعة من المعابد الوثنية التي حولت هي أيضاً إلى كنائس. كذلك شهد عهد الإمبراطور جوستنيان (527-65 ميلادية) بناء العديد من الكنائس .
وفي عام 542 ميلادية قضى الطاعون على معظم سكان الأردن وقضى الاحتلال الساساني عام 614 ميلادية على معظم من تبقى منهم. فقد احتل الساسانيون الأردن وفلسطين وسوريا طيلة خمسة عشر عاماً إلى أن استرجع الإمبراطور هرقل المنطقة برمتها عام 629 ميلادية لكنه لم يبقى فيها طويلاً أمام تقدم الزحف الإسلامي المظفر.
كانت شرقي الأردن تشكل نقطة متوسطة للتجارة بين الشرق والغرب ، إذ كانت الطرق تمر من مدائن صالح والبتراء ، ومن الحجاز إلى مدينة أيلة على خليج العقبة على ساحل البحر الأحمر ، ومن أيلة أي العقبة حيث تتشعب الطرق إلى شعبتين ؛ من وادي عربة إلى غرندل ثم البتراء ووادي اليتم والقويرة ، ومن رم إلى البتراء إلى الحميمة ، ومن البتراء كانت الطريق تمتد إلى غزة و إلى موانئ البحر المتوسط ومصر مارة بوادي عربة ووادي فينان وخربة النحاس وعين حزب وخلسة ، أما الطريق الأخرى فتتجه شمالا من شرقي الشوبك والطفيلة فتمر بالقرب من ضانا وبصيرة ، أما الطريق المؤابية القديمة فتمر قرب الكرك ثم غور المزرعة واللسان إلى مدينة القدس والخليل ومن الكرك إلى أم الرصاص ومادبا ، وهناك طريق القوافل المعبدة من معان والجفر وباير والأزرق إلى قصر البرقع ، وهناك طريق من البتراء إلى غزة ، ومن البتراء إلى الجوف وتدمر مرورا بوادي السرحان والأزرق ، وكانت بصرى الشام متصلة بشرقي الأردن بطريقين أحدهما تمر من درعا وبيت راس إلى طبرية ، والأخرى من المفرق والخربة السمراء وخربة خو بجوار الزرقاء إلى فيلادلفيا ، وهناك طريق من عمان أي فيلادلفيا إلى الرصيفة ثم الزرقاء ، وطريق من فيلادلفيا عمان إلى القدس .
وكان الأنباط في شرقي الأردن يتكلمون الآرامية التي ذاعت في سورية ذيوعا كبيرا فحلت محل اللغة المؤابية وقد وصلت هذه اللغة إلى تيماء شمال المدينة المنورة ، وكانت مدن الديكابوليس تتكلم اليونانية وما جاورها كان يتكلم الآرامية ، قبل أن تسود اللغة العربية خاصة بعد الفتح الإسلامي .
وكان في شرقي الأردن قبل المسيح ديانتان رئيسيتان وثالثة ثانوية وهي اليهودية التي يدين بها عدد قليل جدا في منطقة بيريا في عهد هيرودس ، فكانت الديانة الأولى يونانية كل آلهتها يونانية إلا عشتروت ذات الأصل السامي التي كانت منتشرة في مدن الديكابوليس في شرقي الأردن فقط ، فقد كان لكل مدينة من مدن الديكابوليس آلهة خاصة بها ؛ فمدينة بيلا أي اربد كان من آلهتها : بلاس وهراقيس وعشتروت ، وكابتولياس أي بيت راس كان لها آلهتان هما زوس وعشتروت ، وفيلادلفيا كانت ألهتها بلاس وهراكليس وكان الأخير يدعى ( سعد فيلادلفيا ) ، أما في جنوبي الأردن وشرقه فقد كان الدين النبطي أكثر انتشارا من غيره ؛ فكانت الآلهة في بصرى نبطية من أسماءها بعلسمين و دوزايس واثي واموس ودوزاره أي آلهة الشمس وواهب السرور والخصب ، أما في الجوف فكانت عبادة الأصنام هي المنتشرة إلى جاء الإسلام .
وقد انتشرت الديانة المسيحية في شرقي الأردن منذ سنة 70 م ، وقد زار سيدنا المسيح عليه السلام جدارا ( أم قيس ) وذكر أنه بشر برسالته في غربي شرقي الأردن ، ففي عام 70 م جاء إلى شرقي الأردن من القدس فريق من المسيحيين الأوائل فروا منها إلى بيلا ، وكان الإمبراطور فيليب أول إمبراطور مسيحي يرتقي العرش الروماني عام 243 م ففي عهده اخذ سكان شرقي الأردن يعتنقون المسيحية بالتدريج ، ثم اعتنق الإمبراطور قسطنطين النصرانية فشاد الكنائس والصوامع التي لا تزال آثارها باقية في حبراص وعجلون وأم الرصاص، وكلوة على جبل الطبيق جنوب شرقي الأردن ، وقد جاء إلى شرقي الأردن الفتية الذين فروا بدينهم وهم أهل الكهف فقد ذكر المؤرخون والجغرافيون المسلمون وعلى رأسهم ياقوت الحموي والبلاذري أن الكهف والرقيم هي في البلقاء قرب عمان .
إلى أن نلتقي في الحلقة القادمة تحية لكم والى اللقاء .