الدولة المدنية والاعتداء على أملاكها
د.مهند مبيضين
23-06-2007 03:00 AM
لا تراجع فيما يبدو عند الدولة الأردنية عن تطبيق حكم القانون في موضوع الاعتداء على أراضي الدولة، وهذا بحد ذاته انتصارا لمفهوم الدولة المدنية وسيرا نحو تعزيز قيم العدالة الاجتماعية التي تعتبر احد أهم مرتكزات البناء المؤسسي نحو الدولة العصرية.ما حدث في منطقة الأغوار وشمال الأردن في الأراضي المطلة على حوض اليرموك جرى التعامل معه من قبل البعض بصورة انفعالية غيبت القراءة الدقيقة للمفصل المقبل في شكل الدولة التي ينظر اليها بأنها نموذجا يحتذى في المنطقة.
منذ عقد العشرينات شهد الأردن لحظات توتر بين القبائل والتكتلات الوجاهية ومؤسسة الدولة، كانت المشكلة في قدرة البنى الاجتماعية على التأقلم مع حكم مركزي بات واقعا، ومع مرور الزمن تلاشت الحدة بالتوازي مع تطور الدولة وتحسين حياة المواطن، ولا احد ينكر أن متنفذين وشيوخ حصلوا على امتيازات ومواقع متقدمة في مقابل الاندماج الراقي مع مؤسسة الدولة.
حتى اليوم اثبت الأردنيون رقيهم وقدرتهم على الاستجابة للضرورات العصرية ومارسوا تفاعلا طيبا مع مؤسسة الدولة، في المقابل ربحت الدولة الكثير فتشكل لديها عقد اجتماعي متميز عن الدول المجاروة التي من المفترض انها تتمتع بثقل تاريخي مركزي اقدم من الأردن، بيد أن الأردن سلطة وشعبا كانوا الاقدر على التكيف مع مرحلة ما بعد الحداثة بشكل مذهل. فالدولة استكملت بناء مؤسساتها والموطن بات قادرا على الحراك السياسي وخوض معارك مع الدولة ولكنها معارك ليست سلاحية بقدر ما هي مدنية وقانونية، فالمدونة التشريعية الاردنية تكفل لكل مواطن أن يتجه للقضاء في حال شعر انه مضطهد، وحقوق الأردنيين مكفولة بالدستور.
في المقابل علينا الدفاع عن مؤسسة الدولة على أن تجري عملية الانتقال للدولة المدنية بشكل سلس، ولكن دون أن يقع أي حيف على أي فرد. وبهذا يجب أن يكون هناك حلول سريعة للمواطنين الذين يجري كف اعتداءاتهم على أراضي الدولة، وهذا الكف يجب أن يطال الجميع سواء كانوا من بسطاء الناس أم من المتنفذين دون تفريق.
ليس الاعتداء على أملاك الدولة مرهون بالأراضي والمياه فقط، فهناك الكثير من التعدي في أكثر من مظهر، فمن ابتعث على نفقة جامعة رسمية ليدرس في الخارج ولم يوقع كفالة للجامعة ثم يعود ويترك الجامعة، هو أيضا معتدي على الجامعة والدولة وعلى القانون.
خطوة وزارة الداخلية لا بد لها وان تستكمل وان تمضي نحو ملفات أخرى في سبيل الوصول إلى مشهد أكثر رقيا لصورة الدولة. وعليها أن تسير نحو ملفات أخرى ومنها على سبيل المثال ضبط عملية السلاح المرخص وتقنينية ومراجعة التجربة ذلك أن هنالك سلاح غير مرخص، كل هذا يحتاج وعي كبير من المواطنين، ويحتاج نظرة عادلة من مؤسسة الدولة بخلق البدائل.
ليس هناك متهم في المسألة، بل هناك حاجة لتطوير الوعي، والاعتراف بان البنى المجتمعية في الأردن تغيرت، وان أفكار التغيير قادمة لا محالة، وأن الحاجة ماسة لمأسسة العلاقة مع الدولة من اجل الوصول إلى عقد اجتماعي جديد يليق بنا كأردنيين وبدولتنا ومليكنا.