منذ نعومة أظافري لم أرى الأشياء كما يراها الآخرون،
لم أستمد عواطفي من ينبوع مشترك كما يفعلون،
ولم يدق قلبي على إيقاع نغم رتيب.
أحيانا أشعر أني أريد أن أمضي بعيدا، ودون أن التفت، أشعر بالوحدة والخوف من المجهول. أخاف من يد الغدر أن تغتالني، وقد أشعر بالحزن.
كم هو مؤلم أن تكون صادقا وهم يكذبون!
لا أريد أن أحرج الحزن، وكثيرا ما دفعته إلى الجهة المقابلة من العالم، لكنه برع في شق العالم إلى نصفين ليتقرب مني.
لماذا لم استطيع إبعاده عني، أخبرته أني سأهرب بعيدا، قال لي؛ لا تهربي. قلت أرجوك لا تقترب حاولت إلقاء الأعذار، وقلت كلمات مزعجة لم تنجح في إبعاده.
غريب أنت أيها الحزن! عندما تقرر أن تسكن روح وتصر على عدم المغادرة.
أعلنت التمرد على دقات قلبي، وقررت تجاهل تسارع نبضي، وأهملت دمعه وقفت حائرة تتسأل من أين أتت غربة الروح.
مؤلم جدا أن تشعر فجاءة أنك هش كالزجاج، بينما الظروف تطلب منك أن تكون كالدرع المضاد للرصاص.
عندما يسألك أحد "كيف حالك" وتجيب ببرود الموتى أنك بخير، هذا يعني أنك تحاول التفكير بطريقة إيجابية.
هناك شيء يحدث لك لكنك لا تريد شرحه لا تقوى حتى على الكلام عنه، هناك شيء ما يحدث، ولكنك لا تجرأ حتى على التفكير به.
الحياة ليست بمظاهرها بل بِخَفاياها، والنّاسُ ليسوا بوجوههم بل بقلوبِهم.
تعتقد الأحلام أنها إذا جاءت متأخّرة يومين عن موعدها، ستجدني أقف على رصيف الانتظار، تلك فكرتها البلهاء، كم هو ممل الوقوف في انتظار العدم.
أخبروا الأحلام أن كل الأشياء تموت وتفنى في الحياة، حتى الشغف.
في الحياة خلقت المرأة تتقن الانتظار والصبر، ولكن عندما يتسرب الحزن إلى أطراف قلبها تفقد بوصلة الشغف.
تلك المرأة بإرادتها القوية التي خلقت للحياة ولمقاومة الحزن، قد تعاني الانكسار دون صوت.
المرأة فجاءة قد تقرر أن تنسى وتصمت، ذلك الصمت الحزين الشاحب اللامبالي، الذي يختزن في القلب مثل الندبة، التي تجمدت فوق صخرة نتيجة البرد القارس.
مواقف وأحداث الحياة تقلق أرواحنا تتراكم وتتزاحم.
عند نقطة ما لا نستطيع تفسير كنهها يتم اغتيال الفرح بداخلنا بقسوة. تمضي بنا الأيام والأحداث تتناثر سراباً في المدى ويضل ذاك الحزن الباهت في الجوانح يختنق.
في الحياة تتلاشى أحلامنا كما تتلاشى أجسادنا في النوم، نعم تذهب إلى العدم، وتفقد بريقها. عندها فقد نولد من جديد بقلب مختلف وإحساس يرفض الوقوف لانتظار الذي لا يصل.
أيها الحزن أمضي كأنك لم تكن فكرة، ولا خبرا ولا أثرًا، كوردن في الثلج.
أمضى أيها الحزن ودعني أرى النور الذي أنشق من قلب الأرض في آخر نفق سجن جلبوع، فأنا عزمت أن أكون غامضة قوية كالحياة.
a. altaher@youthjo. com