داعية:
بين العشاءين في المسجد النَّبويّ، استمعتُ خلسةً إلى حوارٍ بين أكاديميّ عربيّ وزائر إندونيسيّ: رَبْعة، فيه مَلاحة وحُسن وعافية، ذو خمسة وأربعين ربيعًا، ارتسمت على مُحيَّاه علامات السّرور أنَّه يزور الدِّيار المقدَّسة وقِبلة المسلمين، وحظي بالسَّلام على الرَّسول الكريم، عليه الصَّلاة والسَّلام.
-ما تعمل في إندونيسية؟ (سأله العربيّ)
-تاجر، وأردف: لكنَّ التّجارة الحقيقيَّة في قوله تعالى: "يا أيُّها الذين آمنوا، هل أدلُّكم على تجارةٍ تُنْجيكم من عذابٍ أليم؟ تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم"، ثمَّ قال: الدَّعوة إلى الإسلام هي التِّجارة الرَّابحة حتَّى نكون خير أمَّة، وتلا قول الله تعالى: "كنتم خير أمَّة أخرجت للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".
-وأنت، أمقيم أم زائر؟
-بل مقيم.
-وما تعمل؟
-مدرّسًا.
رأيتُ الرّجل تَهلَّل وتنهَّد، ودَمعتْ عيناه، وقال:
-أنتم مَن يُتقنون الدَّعوة إلى الله إذا رغبتم، وتنالون بها شرفًا عظيمًا...!
قال ما قال، وأبصرتُ العربيَّ أغمض عينيه، وهزَّ رأسه، وربت على كتفه. فاستأذنتُ وقلت:
-هذا رجل نموذجٌ فريد في الصَّفاء والنَّقاء وحُبِّ الإسلام؛ فمرحى لإخواننا يُعلّموننا دروسًا في الدَّعوة والإرشاد!
"هيبِتْنا"
في أَحَد مُجمَّعات الجامعة التدريسيَّة، وبعد خروجه من إحدى القاعات، تبعه أحد الطُّلاب ذو السُّمرة البدويَّة، يَتراقصُ بين يديه، وقال:
-دكتور، أنت من الأردن؟
-نعم (وابتسامته تنبئ عن فخر واعتزاز).
-صحيح ما يُشاع عنكم دكتور قولكم: "هيبِتْنا بتكشيرِتْنا"؟
هنا اعترته هزَّة، وغابت من وجهه ابتسامة، ووجم وسكن، ثمَّ قال:
-ليس صحيحًا، وإنَّما:
-"هيبِتْنا" اعتزازُنا بوطننا وعاداتنا وتقاليدنا، وقيمنا المستمدَّة من ديننا.
-"هيبِتْنا" المواطنةُ الصَّالحةُ التي نُقدِّم فيها مصلحةَ الوطن على مصالحنا الشَّخصيَّة.
-"هيبِتْنا" حبُّنا للعمل وإخلاصُنا فيه، وعطاؤنا الصَّادق الذي لا ينفد.
-"هيبِتْنا" حبُّنا لإخواننا وأشقائنا في الوطن العربيّ الكبير.
-"هيبِتْنا" انتماؤنا لمنظومةِ عروبتنا الحقَّة غير المزيَّفة.
-"هيبِتْنا" استماعي إليك والحُنوُّ عليك، والأخذُ بيدك إلى طريق الفلاح.
-هذا عنواننا يا ولدي ..!