في الإصلاح الشامل: دعونا نعلق الجرس
د.طلال طلب الشرفات
08-09-2021 11:23 AM
هذه المرة سنغادر مساحات الدبلوماسية في توصيف المشهد العام ونعلق الجرس لموجبات المصارحة وضرورات الإدراك بأن ثمة خلل في الجهد الوطني المتعلق بالإصلاح، ومحاولة الهروب عن جوهر الإرادة السياسية العليا ومضامين التوجيهات الملكية بقصد أو بدون قصد، ولعل غياب الاستراتيجية الوطنية للإصلاح الشامل، وأساليب التعتيم والتعميم التي تمارسها بعض النخب المؤتمنة على مصالح الوطن تشكل السبب الرئيس لحالة الهذيان الإصلاحي المفرَّغ من المضامين الإصلاحية، والحرص الوطني الراسخ.
لا أدري إن كان قدراً أم ظلماً أن يحدث لوطننا أنه كلما سرنا في مسار إصلاحي في أحد المجالات تراجعنا أو أُحبطنا التقدم في مجالات أخرى في وقت أضحت الهويات الفرعية الاجتماعية والقطاعية والمصالح الفردية هي السائدة في الفكر السياسي والأداء العام، ولم يعد للفرق بين الخاص والعام أهمية في قرار فئة كبيرة من شاغلي المواقع العامة السياسية والاقتصادية.
لا يعقل ونحن في ذروة العمل في التحديث والتطوير السياسي من خلال لجنة ملكية تصل الليل بالنهار لتقديم وصفة وطنية مهمة لتعزيز المسار الديمقراطي والحزبي للوصول للحكومات البرلمانية؛ أقول لا يعقل ذلك ونحن نشهد تراجعاً مرعباً وصادماً في مجال تعزيز منظومة النزاهة والشفافية وسيادة القانون، ونحن نجرد المؤسسات الرقابية من الأدوات الضرورية لمراقبة النمو غير الطبيعي للثروة، ونضعف دور هيئة النزاهة ومكافحة الفساد في القيام بدورها الوطني المنسجم مع الاتفاقيات والمعايير الدولية وفي مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
كم كنت أتمنى أن يتم تأجيل إقرار قانون البلديات واللامركزية إلى ما بعد صدور توصيات اللجنة الملكية للتحديث والتطوير لاعتبارات وطنية بحتة تتمثل في تضمين التوصيات المفيدة في نصوص القانون؛ كي نتخلص من كثرة التعديلات التشريعية والتي لا تأخذ عادة حصتها من الاهتمام الكافي في التدقيق والدراسة عند إعدادها أو إقرارها على حد سواء. ولعل المسافة الشاسعة بين الأقوال والأفعال قد أضحت تسود – للأسف - في المشهد السياسي والاجتماعي بصورة لم يعد ممكناً قبولها على هذا النحو.
في الإصلاح ثمة حقيقة باسقة يجب أن تكون حاضرة في ضمير الساسة والنخب تتمثل في أن أمانة المسؤولية تقتضي الشفافية في معالجة القضايا الوطنية ومغادرة الانطباعية إلى مضامين المهنية المجردة من المصالح والرغبات، والإدراك بأن الثقة الغالية التي تمنح للمسؤول من مرجعياتها الدستورية وما يرافقها من بر القسم وأخلاقيات الموقع العام تتطلب من كل القائمين على الشأن العام أن يتقوا الله في الوطن وخبز الناس وأن يرتقي الجميع إلى مستوى التطلعات الملكية السامية في الموضوعية والنضج والشفافية والحرص على سيادة القانون.
آن الأوان لخلوة وطنية صادقة، وجلسات مصارحة ومكاشفة، وتنسيق بين رؤساء السلطات والمؤسسات الفاعلة في الدولة؛ لتحديد الأولويات الوطنية والأهداف المتوخاة من القرارات والسياسات والتشريعات وسبل إنضاجها وفق خطط متفق عليها؛ كي تتكامل الرؤية الوطنية الشاملة للإصلاح بما يخدم وطننا ورسالتنا في التقدم والعطاء. وحمى الله وطننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.