أجروا استطلاعا في ألمانيا حول أكثر اصحاب المهن احتراما وتقديرا عند الناس، وقد جاء الصحفيون في المرتبة (13)، تحديدا بعد عمال التنظيفات. لا أعرف إذا كان ثمة مؤامرة لوضع الصحفي في الرقم 13 وهو رقم تلميذ المسيح الذي كان الشخص الثالث عشر في العشاء السري، وهو الذي خانه وسلّمه الى جند الرومان وكهنة اليهود. أقصد (يهوذا الإسخريوطي). فلنفترض حسن النية، ونعتبرها مجرد مصادفة رقمية غير سارة.
نعود إلى قصة عمال التنظيف: فقد تذكرت وأنا اقرأ الخبر، واحدة من اوائل الشخصيات الساخرة المبتكرة في العصر العربي الحديث، وهي شخصية كناس الشوارع التي ابتكرها الساخر العراقي (ابراهيم تيسي) عام 1925، على اعتبار أنها شخصية تجوب المدينة وتقترب من الأبواب وتراقب الناس. ويستخدم العامل مكنسته للتنظيف او للدفاع عن النفس، أو للضرب على رؤوس الفاسدين والمفسدين.
لنعترف أولا بأن مهنة الصحفي، والإعلامي بشكل عام، هي من أكثر المهن المعرضة للارتشاء في العالم، نظرا لحاجة الفاسدين في كل مكان وزمان إلى من يقوم بتزيين صورتهم وتزييف حقيقتهم أمام الناس، أو على الأقل عدم نشر غسيلهم القذر على الملأ.
لكنها في ذات الوقت المهنة الأكثر خطورة في العالم، لأنها تلعب في ميدان الخطرين، ناهيك عن الحاجة –حاجة الصحفي- الى الدخول في مناطق الصراع وبؤر التوتر في العالم، ليكون الصحفي ضحية محتملة للظالمين وللمظلومين معا.
وعطفا على الاستطلاع الألماني، فلنعترف أيضا بأن ثمة جوهرية بين الزبال والصحفي، وقد اكتشفناها نحن العرب قبل اصحاب الفولكس فاجن. ولا أعتقد أن الألمان أرادوا اهانة مهنة الصحافة، بل قصدوا احترامها في وضعها بالقرب من تلك المهنة التي تنظف شوارعهم وتجعل الحياة ممكنة.. وهذا ما يفعله الصحفي النقي في كل مكان.. استخدام القلم مكان المكنسة للتنظيف أو الدفاع عن النفس أو الضرب..!!
المشكلة أن عمال التنظيف لدينا غيروا مسمّاهم الوظيفي إلى (عمال وطن)، فهل يمكن تغيير التوصيف المهني للصحافة لتصير (صحفي وطن)؟؟؟
الدستور