الفساد في معناه لايعني فقط ان تسرق ألف دينار من خزينة الدولة ، فهذه صورة بسيطة مع الصور الاخرى ، التي تعني فساداً ، وتسمى بغير اسمها.
في مراجعات على مستويات رسمية معينة ، هناك قراءة لملف البلديات ، والمعلومات تتدفق عما يجري هذه الايام من تسخير ثلة من البلديات لصالح مرشحين طرحوا انفسهم للانتخابات النيابية ، في غياب عن عيون المراقبين ، وتقول هذه المعلومات ان بلديات كبيرة وصغيرة ، سخّرت امكاناتها بشكل غير مباشر لصالح مرشحين يخوضون الانتخابات النيابية.
"الفساد المستتر" يعني ايضا كل الصور التي نراها يوميا ولانقف عندها في بعض البلديات ، والمراجعة الدقيقة لممارسات بعض البلديات من التعيين بالواسطة ، الى ايصال الخدمات وتنفيذها على اساس العلاقات الشخصية ، وتحويل عمال النظافة الى موظفين بصيغ اخرى ، وصرف المكافآت لاعضاء المجلس البلدي اوالرئيس ، بشكل مبالغ فيه ، بالاضافة الى استعمال امكانات البلدية في غير ماهي مخصصة له اساسا ، وتلقي اي هدايا لتمرير معاملات معينة ، وعدم العدالة في ايصال الخدمات ، تفضي الى اننا امام فساد مستتر..وجد خطير.
فوق هذه "الظلال الحمراء" لمشهد البلديات ، وديونها وتراجع خدماتها ، يأتي بعض رؤساء البلديات لممارسة مهمة اخرى ليست من صلب اعمالهم ووظائفهم ، متطوعين باعتبارهم من فريق هذا المرشح او ذاك.
في بلدية كبرى معروفة لاتمشي معاملة على ساقيها النحيلتين ، الا اذا أظهر صاحبها من طرف اللسان حلاوة لصالح مرشح كبير في تلك المنطقة تحالف معه رئيس البلدية ، وهو تجسير جديد ، بين البلديات وامكاناتها ، ومجلس النواب المقبل ، وكأنه ينقصنا تطابق "الطباع الحسنة" بين هؤلاء ومن هم مقبلون الى العبدلي ، الذين بدأ بعضهم حملاته الانتخابية بتجاوز القانون بشكل غير مباشر ، حتى قبل ان يصل الى البرلمان.
اذا كان هذا المرشح او ذاك يخالف القانون حتى قبيل وصوله الى البرلمان وحصوله على حصانته ، فما الذي سيفعله بنا وبأحوالنا بعد الوصول الى البرلمان ، والسؤال مفرود لمن يعرف الجواب.
الانتخابات البلدية تركت اثارا حادة على البنية الاجتماعية للناس ، ولاتجد احدا يشعر بالرضى على اداء البلديات ، او دمج بعضها ، وممارسة بعضها الاخر ، وفي سياقات المعركة الانتخابية ، يجري دفن بعض البلديات في احضان مرشحين ، بشكل مباشر وغير مباشر ، بسبب صلات شخصية ، وهي اخطر نمطية قد نتوقعها ، لان تسخير امكانات الدولة ، لصالح مرشحين اخترقوا بعلاقاتهم الشخصية هذه الرئاسة او تلك ، امر لايمكن السكوت عليه ، او قبوله.
حل مجالس البلديات مازال مطلبا لكثيرين ، بمن فيهم اصوات حكومية تعتقد ان "الحل في الحل" واعادة البلديات الى رشدها الوظيفي ، ووقف هدر امكاناتها على يد بعض من فيها ، ولمصلحة من حولها وحواليها ، وكأنه ينقص البلد ، المزيد من الضغط على موارده المالية ، على اساس ان الاستدانة وعدم تحصيل الاموال وهدر الامكانات في تعيينات وترضيات ، امر يمكن تغطيته قانونيا ، بما يؤشر على خطورة هذه الممارسة.
جمع رأسين اي "النيابة والبلديات" على وسادة واحدة ، ، له نتائج وخيمة ، ولعل من يهمه الامر يوقف بعض البلديات عند حدها وحدودها ، بدلا من تسخيرها في الحملات الانتخابية لبعض المرشحين وعلى اساس مزاج رئاستها الشخصي ، والا فلنذهب الى الحل ، من اجل اراحتنا من هذا الصداع المزمن الذي بات يسطو على رؤوسنا.
"الفساد المستتر"اخطر بكثير من الفساد الواضح والمكشوف...أليس كذلك؟.
(الدستور)