ملاحظات عن الإصلاح والتطوير والتحديث
د. محمد ناجي عمايرة
02-09-2021 12:39 PM
تكثر هذه الأيام على وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومواقع التواصل الاجتماعي كافة الأحاديث والأقاويل والفتاوى عن الإصلاح والفساد والحريات العامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان.
وهذه الأحاديث لها وعليها الكثير، فأكثرها يلجأ إلى التعميم وبلا أدلة ولا وقائع مقنعة، ففي رأيهم أن الفساد "عام طام " وأن الاخلاق والقيم أصبحت مفقودة نهائياً وأن العدالة غائبة تماماً، وأن كل من يتولى المسؤولية حالياً او سابقاً يشار إليه بأصابع الشك والريبة والاتهام بالفساد والتطاول على المال العام. وبالمقابل هناك من يدافع عن الماضي القريب والواقع الراهن ليجعله أبيض ناصعاً لا غبار عليه ولا شكوك ولا يأتيه الباطل من أي جانب.
وفي رأيي أن الرأيين غير صائبين، فالدنيا ليست "خربانة" لكنها أيضاً ليست " قمراً وربيعاً". وإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نعيد تشكيل الصورة على وجه آخر لتكون أكثر واقعية وأقرب إلى الدقة.
أمس كنت أقلب بعض صفحات تاريخنا الوطني على مدى المئوية الأولى، فوجدت كثيراً من المنجزات والمكتسبات التي كنا وما نزال نعتز ونفخر بها على الرغم من أن بعض "أسراب البوم" تنعى عليها وتنكرها. وهؤلاء لا يدركون طبيعة تطور العمران البشري وقدرة الإنسان على الخلق والإبداع والتحديث والتطوير.
بالطبع لا ينكر وجود الفساد إلا مكابر، ولا يتجاهل الإنجاز إلا جاحد، فكلاهما موجود وكلاهما يحتاج إلى جهد يزيل الفساد أو يوقفه ويطور الإنتاج والإنجاز ويراكمه ويزيل كل ما يعيقه، ولست هنا في معرض التدليل بأمثلة من كل جانب لأنها واضحة . هناك من جهة من يعرض عن رؤية الفساد وهناك من جهة أخرى من يصرف نظره عن المنجزات بدعوى أنها من التطور الطبيعي. وأحسب أ ن كلا الطرفين مخطئ أو أن نظرة كل منهما أحادية أو جزئية أو انتقائية.
ننتظر فراغ اللجنة الملكية لتطوير منظومة التشريعات السياسية (بالتحديد قانون الأحزاب وقانون الإنتخاب وبعض ما يتصل بتطوير الادارة المحلية، ولأن اللجنة مكلفة بذلك تحديداً حسب الرسالة الموجهة إلى دولة رئيسها، فلا تجوز مطالبتها بغير ما كلفها به جلالة الملك. وهذا توصيف لوضع اللجنة، وليس في موضع الدفاع عنها. وأحسب أن السهام الموجهة إلى اللجنة ليست في محلها. لأن اللجنة لم تفرغ حتى الآن من مهامها، ولم تطلع صاحب القرار على مخرجاتها. كما أن التصفيق لها ليس مطلوباً من الناس حتى تقدم مرئياتها، ونطلع عليها ونتعرف على ما توافقت عليه من تشريعات وتعديلات دستورية محددة تتصل بها، هي جزء من عملية الإصلاح السياسي المنشود.
قد قلت في مقالات سابقة رأياً أراه موضوعياً وهو أن الإصلاح لا يتجزأ، وأنه حزمة واحدة متكاملة، كما أن الإصلاح يشمل السياسة والاقتصاد والاجتماع ويتصل بالتربية والتعليم والجامعات والثقافة، وهو معني بتعزيز المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وحل مشكلات الفقر والبطالة والتباين الطبقي وتمكين المرأة والشباب، وإنصاف المتقاعدين وترسيخ منظومة حقوق الإنسان كافة.
وقد لاحظت أن حكوماتنا السابقة منذ بدايات تأسيس الدولة وإلى اليوم ظلت تضع في أساس خطاباتها وبرامجها مطالب الإصلاح والتطوير والتنمية والتحديث. ونحن اليوم في مرحلة أحوج ما نكون إلى أن يكون الإصلاح مؤسسياً ومستمراً وتدريجياً حتى لا نتفرع كثيراً وتضيع منا البوصلة الهادية. وقد قلت أيضاً وأعيد القول أننا نحتاج إلى الإصلاح الشامل الهادئ البعيد عن "قيل وقال" وهذا مرتبط بأشخاص صالحين ومصلحين من جهة وديموقراطيين من جهة أخرى، وأنا هنا لا أنزع هذه الصفات عن أحد ولا أثبتها لأحد. وعلينا أن نتبين ذلك بالتجربة والبرهان لا بقول وتزكية لا ثقل لها في الميزان.
لقد مضى على الأوراق النقاشية التي وضعها جلالة الملك كمنطلقات للإصلاح والتطوير في الدولة بضع سنوات تشكلت خلالها عدة حكومات ولم تأخذ أي منها مسؤوليتها وواجبها في التأسيس على تلك الاوراق لبناء برنامج وطني للإصلاح والتطوير والنهضة المنشودة بل أن بعضها قد أجرى قراءة سريعة لبعض الأوراق ظلت بعيدة عن فحواها وتقديم ما يساهم في وضعها في التطبيق العملي. وها نحن الان أمام إستحقاق لجنة تطوير المنظومة السياسية. دعونا ننتظر وإن غداً لناظره قريب.