كان يا ما كان في العالم العربي، وفي زمن ليس ببعيد، كتب ومجلات متخصصة بثقافة الأطفال العرب، وكانت متنوعة وموزعة في عواصم مثل الكويت وبيروت والقاهرة وأبوظبي، وكنت أنا شخصياً متعلقاً نهار كل أربعاء بمجلة «ماجد» التي تأسس عليها كثير من محتوى الوعي عندي وعند أشقائي، بالإضافة إلى مكتبة متنوعة من مجلات تناسب عمرنا بكل مراحله مشغولة بعناية وجهد واضحين.
انتهى هذا النشر المتخصص وانقرض، وانسحب من مقدمة المشهد لعوامل عدة، أولها انتشار تكنولوجيا المعرفة التي لم نوظفها في العالم العربي بشكلها الأمثل، فانتهينا إلى فراغ استطاعت التيارات الإسلامية المتشددة أن تملأه بمحتوى «ديني» على صيغة خطاب موجه للأطفال، وانتهينا بقنوات تلفزيونية للأطفال، دينية موجهة، قائمة على حشو الطفل بالموروث التقليدي نفسه بدلاً من أن تحفزه على التفكير، بل إنني أتصفح «الإنترنت» لأجد حديثاً عن تقارير علمية في علوم النفس وتربية الطفل تحذر من أن محتوى بعض تلك القنوات المتخصصة، تؤذي الأطفال، وتولد لديهم الإدمان عليها ثم التوحد! لا أتبنى آراء تلك الدراسات التي لم أتفحص مصادرها جيداً، لكنني تابعت بعض تلك القنوات الموجهة باتجاه واحد، وأرعبتني فكرة مخاطبة الطفل بأي خطاب يقيد حريته في عالمه الصغير والمفتوح على البراءة.
الطريف في الأمر، أني وأثناء بحثي، وجدت مواقع عربية إسلامية سلفية، تهاجم تلك المحطات المتخصصة أيضاً، لكن من زاوية أنه لا يجوز أن يتعلم الطفل المسلم أي شيء من المعازف والموسيقى مستندين إلى آراء ابن تيمية وابن القيم، وهي ذات الآراء بالمناسبة التي تسمح وتبيح، بل وتشجع على زواج القاصرات، واستلهم منها الموروث التقليدي ذلك، فتم اغتيال الطفولة في كثير من مجتمعاتنا العربية.
لماذا هذا الموضوع مهم؟
لأننا ببساطة لو فكرنا في صناعة جيل متحرر من كل خيباتنا وعقدنا المتوارثة جيلاً بعد جيل، وأعطينا الطفولة حقها بتربية أسرية سليمة ومنفتحة على الحوار، لانتهينا بعالم عربي متقدم بعد جيل أو جيلين على الأقل.
مشكلتنا مع أطفالنا وأولادنا أننا نعيد إنتاج التجربة ذاتها التي خضناها كأطفال، معهم من جديد، وإن اختلفت الأدوات والوسائل.
لا يختلف الطفل العربي عن أي طفل آخر في العالم، إلا بالحواضن التي ترعى نموه، بدءاً من حاضنة الأسرة وانتهاء بحاضنة الدولة.
الأطفال ليسوا زينة الحياة الدنيا وحسب، وهذا التصنيف لو توقفنا عنده واكتفينا لانتهينا إلى أن نرسخهم كحالة استمتاع آنية، فالأطفال، أي أطفال، هم مشاريع نمو للوعي، وفي بعض أرجاء العالم العربي وللأسف، هم مشاريع وعي موؤودة.
كل تلك النفقات المهدورة على مشاريع التنمية الإنسانية ستبقى بلا جدوى ما دام ليس هناك استهداف لإنقاذ وعي الإنسان العربي المنتهك منذ طفولته.
كل تلك الأحاديث عن الديمقراطيات والحكومات الحرة والبرلمانات الواسعة لا تعني شيئاً وليس لها قيمة في واقعنا العربي ما دام الإنسان العربي منذ طفولته يتعرض لغسيل دماغ منظم ويتم تغليفه بمحظورات مقدسة وهي ليست كذلك.
ما زلت أعتقد أن بناء الدول يبدأ من الصفوف الابتدائية من خلال غرس المعرفة والعلوم الحقيقية وليس معارف الدجل والشعوذة.
الاتحاد