facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




نظرة أولية في بنية الدولة الأفغانية


م. أشرف غسان مقطش
01-09-2021 09:39 PM

بداءة بدء أنوه إلى أن المقصود ب«الدولة» هنا: المجتمع والسلطة.

تقول الشاعرة الأفغانية شيماء كلباسي في قصيدة لها بعنوان (لنساء أفغانستان) (1):

أمشي في شوارع كابول
وخلف النوافذ الحزينة
قلوب محطمة، نساء محطمات
لا رجال في الجوار
لأنهم يموتون جوعاً بينما يتوسلون الخبز
مدرسون وأطباء وأساتذة ضائعون
بين البيوت الجائعة
لم يتذوقوا حتى القمر
يحملون أجساداً بملابس كالكفن
أصواتهم لا تُسْمَع
لا لون في عيون نسائهم
نسائهم اللائي لم يرين إلا الدم
لا خبز هنا
سوى رائحة أجساد أولادهم العفنة
آذانهم لا تسمع
سوى زقزقة أمعاء خاوية
يبكون على أصواتهم المخنوقة
مع كل صوت للنار والإرهاب

والشعر في ناحية من نواحيه مرآة الدولة بشقيها: السلطة والمجتمع. فإذا علمنا أن طالبان ترى "أن دور المرأة يقتصر على الإنجاب ورعاية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية"(2)، وأنها "منعت [ولربما لا زالت تمنع] ذهاب الفتيات إلى المدرسة عند بلوغهن سن العاشرة"(2)؛ فإنه يمكننا تخيل "قلوب محطمة، نساء محطمات" مقموعة "خلف النوافذ الحزينة" قي شتى أنحاء أفغانستان غداة استلام طالبان زمام السيطرة على كابول.

يظن البعض أن طالبان تطبق العقيدة الإسلامية على نحو «السلف الصالح» في ممارساتها هذه بشأن المرأة. بيد أنني ربما لا أخالف الواقع إذا ما قلت أن طالبان تنفذ فيما يتعلق بالمرأة أيديولوجيا خاصة بها منبثقة من الثقافة البشتونية، وأقصد بالثقافة هنا: العادات والتقاليد والأعراف، وهذه الثقافة تكاد تكون أبعد ما يمكن عن «الإسلام المصطفوي»^ في النظرة إلى المرأة، ودليلي في ذلك ما جاء به د.عبد العزيز اللبدي في كتابه (تاريخ الجراحة عند العرب)؛ فاسمع له يقول:

"وأم عطية الأنصاري [نسيبة بنت الحارث] التي عاشت في عصر النبي (ص) وأُشْتهرت بالجراحة وكانت تداوي جرحى المسلمين وتقوم على مرضاهم. وكذلك رفيدة [رفيدة الأسلمية] التي أمرها النبي (ص) بمداواة سعد بن معاذ الذي أصابه سهم في الأكحل في موقعة الخندق."(3)

وتستطرد الشاعرة في القول: "لا رجال في الجوار" ذلك "لأنهم يموتون جوعا بينما يتوسلون خبزا". وتثبِّت تقديرات بعض المحللين الإقتصاديين والسياسيين والمسؤولين في الأمم المتحدة لنسبة الفقر بين الأفغان ما ذهبت إليه كلباسي للتو، حيث تشير الأرقام بشكل تقريبي إلى أن نسبة الفقر في أفغانستان تتجاوز النصف على الأقل،* بل إن بعض التقارير تعد الأفغانيين من أفقر شعوب العالم**، فلا غرو إذن أن "آذانهم لا تسمع سوى زقزقة أمعاء خاوية" كما في التصوير الشعري الفائق الروعة والدقيق لواقع الحياة الأفغانية على يد واحدة من نسائها المبدعات.

وهنا لغز من ألغاز الإقتصاد الأفغاني. فالبلد يعد من أكبر المنتجين لمادة الأفيون*، فضلا عن أنه يملك أكبر احتياطي لليثيوم في العالم* ناهيك عن أنه غني بالذهب والحديد والنحاس والرخام*، ونسبة كبيرة من أراضيه صالحة للزراعة؛ فما السر في فقره وجوعه حيث "لا خبز هنا"؟ يمكن القول أن الحروب التي دارت رحاها في جباله ووديانه منذ نحو نصف قرن من الزمان لعبت دورا رئيسيا في إفقاره وتجويعه، لكن لا أعتقد أن ذلك هو السبب الوحيد. ففي رأيي أن جهل المرأة الأفغانية بسبب السياسات الطالبانية القائمة على ثقافة جامدة في مكانها، ثابتة في زمانها، له دور أساسي في إفقار البلد وتجويعه.

ألم يقل شاعر النيل:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق

ولأن المجتمع على علاقة ديالكتيكية مع السلطة في حدود رؤيتي لطبيعة التفاعل بينهما، ولئن طالبان بمن ينتسب إليها وبمن ينتمي لها كانت جزءا لا يتجزأ من هذا التفاعل الديناميكي على مدى نحو نصف قرن من الزمان يفترض بنا أن نعرف أولا كيف (أُسِّست/أُنْشِئَت) طالبان ومن (أسسها/ أنشأها) ، ولماذا (أُسِّست/أُنْشِئَت).

في تموز عام (1979) م، كان الشيوعيون الأفغان يستولون على السلطة (4) في بلد لا ثقافة مجتمعه تهضم الأفكار الماركسية من جهة، ولا ديانة غالبية سكانه تلتقي ومبادئ الشيوعية من جهة أخرى، وهنا الغلطة الكبرى بل القاتلة لكل من يعتقد أو يخيل له أنه يمكنه التسلط على المجتمع الأفغاني بتجاوز ثقافة أهله وتخطي دين أفراده اللذين يتماهيان معا إلى حد كبير في قولبة الفكر المجتمعي الأفغاني، ولعلني لا أخطئ التحليل في هذا السياق.

ولهذا، "بدأت حركات مسلحة تنظم نفسها لمواجهة [الشيوعيين] {باسم الإسلام والتقاليد المحلية}"(4)، ووجدنا أغلب الثائرين على الحكم الشيوعي ينتمون إلى قبيلة البشتون* التي تشكل نحو (40%) من سكان أفغانستان.

وقبل أن نخوض في مراحل تطور ثورة المجتمع الأفغاني بطيفه البشتوني على السلطة الأفغانية بوجهها الشيوعي، نذكِّر بخط ديورند الذي قسم المجتمع القبلي البشتوني إلى قسمين: قسم يقطن شمال غربي المنطقة المعروفة حاليا بباكستان، وقسم يقيم في جنوب شرقي المنطقة المعروفة حاليا بأفغانستان.* فحدود أفغانستان الحالية رُسِمَت في أواخر القرن التاسع عشر على يد طباخي السياسة العالمية آنذاك -ولربما ما زالوا يفعلون-: البريطانيون.*

إذن يمكن القول أن العقل الجمعي البشتوني مر بظروف عصيبة جراء التقسيم الإمبريالي البريطاني للجغرافيا التي كان يمارس عليها سلطته بغض النظر عن شكل هذه السلطة قبليا كان أم مدنيا؛ فهي في النهاية سلطة فقدت جزءا غير يسير من «المكان» الذي كانت تسرح وتمرح فيه. والسلطة شهوة الإنسان بل غريزته الأزلية منذ أن قتل قايين هابيل ليتسلط وحده على الأرض وما فيها، و"من ملك استأثر" على حد قول الإمام علي بن أبي طالب.

ولن يكتفي البشتونيون الأفغان بأن معظم زعماء أفغانستان إن لم يكونوا كلهم كانوا من صلب عودهم، بل كانوا يريدون -والإرادة الجمعية عندهم صلبة ومتماسكة كما تشير الدلائل والقرائن التاريخية- أن تكون الثقافة البشتونية ممتدة على مساحة أفغانستان، وعلى الأرجح ما زالوا يريدونها كذلك.

ثار البشتونيون إذن على الشيوعية، فاغتنمت واشنطن هذه الفرصة التي جاءتها على طبق من ذهب في سياق الحرب الباردة، وأطلقت عملية «إعصار» التي كان "الهدف منها تقديم الدعم الفعال للمتمردين"(4) مما دفع موسكو إلى إجتياح أفغانستان في الرابع والعشرين من كانون الأول عام (1979) م،(5) لتدخل أفغانستان على إثرها دوامة حرب أهلية دامت نحو عقد من الزمان أحرقت الأخضر واليابس.

يقول المفكر العالمي جوزيف مسعد في هذا الصدد: "ومع حلول أواخر سبعينيات القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة قد تورطت... في استكتاب وتمويل وتدريب اسلاميين من أفغانستان إلى باكستان والعالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة، لتهيئتهم للمعركة النهائية ضد الإتحاد السوفييتي [السابق]. ولقد كانت سياسة الولايات المتحدة هذه... هي التي {أدت إلى تشكيل حركة طالبان والقاعدة} من أوساط صفوف الإسلاميين الذين شكلتهم ودربتهم الولايات المتحدة والذين سيحكمون أفغانستان ويحاربون الولايات المتحدة لاحقا، وذلك بعدما انقلبت عليهم بعد سقوط السوفييت."(6)

وينقل لنا سامي كليب عن هيلاري كلينتون ما ذكرته في كتابها (خيارات صعبة): "تشابه الأمر [في سوريا] مع ما كان عليه في أفغانستان في الثمانينيات. فهناك سلحت أميركا... المتمردين الأفغان والمجاهدين لإنهاء الإحتلال السوفياتي، لكن عددا من المقاتلين وخصوصا أسامة بن لادن أسسوا لاحقا القاعدة وغيروا أهدافهم صوب الغرب. لم يكن أحد منا بالتالي يريد أن يتكرر التاريخ في سوريا."(7)

لكن الولايات المتحدة على ما يبدو تريد تكرار التاريخ عينه في أفغانستان ذاتها، ولأهداف عدة، أبرزها في رأيي: الصين. هي مجرد فرضية قوامها الأساسات التي تقوم عليها بنية الدولة الأفغانية: فقر وجهل ونصف مجتمع (المرأة) مقموع يغري الصين بحجم التنمية، وثروات طبيعية تسيل لعاب بكين بجاذبية الإستثمار وبريقه وهذان عاملا جذب لفخ أفغانستان حيث الثقافة البشتونية ومشتقاتها لا تلتقي بالثقافة الصفراء ومتفرعاتها على طريق الحرير، ودين الغالبية يتعاطف مع الإيغور الأقلية، وسلطة طالبانية مدعومة من الولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، والفاصل: نحو (75) كيلومترا من الحدود البرية.

ملاحظات:
1) الكاتب يعتمد صحة المعلومات الواردة في النصوص المُقْتَبَسَة أعلاه حتى يرد ما يختلف عنها في أي مصدر و/أو مرجع آخر.
2) ما بين العلامتين [...] إضافة من الكاتب على النصوص المُقْتَبَسَة لغرض التوضيح و/أو التصويب.
3) العلامتان '{...} خطان أحمران من الكاتب للتشديد على أهمية المفردة و/أو العبارة.

هوامش المنشور:

^أنحت هنا مصطلح «الإسلام المصطفوي» كي أشير به إلى الفترة التي حدثت فيها أحداث على يد المصطفى.

فإذا قلتُ -مثلا لا حصرا-: "المسلمين الأوائل" كما فعل المقال المذكور أعلاه؛ فإن هذا قد يشمل ما حدث في الإسلام بعد وفاة المصطفى، وهو ما لا أعنيه ولا أقصده.

على أنني أنبه بل أشدد إلى أنني لا أعني بهذا الإصطلاح بالضرورة وجود (فروقات/فروق/فوارق) و/أو إختلافات و/أو تباينات بين الإسلام المعاصر للمصطفى وبين الإسلام بعد وفاته، إنما فقط أريد بهذا الإصطلاح الإشارة إلى فترة الإسلام في عهد المصطفى.
*هذه الأرقام والنسب والتقديرات موجودة في الشبكة العنكبوتية في عدة مواقع، والقاسم المشترك الأكبر بينها: عدم الدقة.
**هذه المعلومات مستقاة من عدة مقالات وتقارير صحفية موجودة في الشبكة العنكبوتية، ولا تخلو من عدم الدقة أيضا.
(1)http://ab33ad.com/vb//showthread.php?t=9212&page=6

(2)https://www.bbc.com/arabic/world-58256543
(3) كتاب (تاريخ الجراحة عند العرب)، لمؤلفه د.عبد العزيز اللبدي، طبعة (1991)، دار الكرمل للنشر والتوزيع، عمان، ص(81)
(4) كتاب (غرق الحضارات) لمؤلفه أمين معلوف، ترجمة نهلة بيضون، دار الفارابي، الطبعة الأولى، أيلول (2019) م، ص(194)
(5) المصدر السابق، (196)
(6) كتاب (الإسلام في الليبرالية)، لمؤلفه جوزيف مسعد، ترجمة أبو العباس ابراهام & جوزيف مسعد، دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع، الطبعة الأولى حزيران (2018) م، ص(108)
(7) كتاب (خطاب الأسد من الإصلاح إلى الحرب)، لمؤلفه د.سامي كليب، الطبعة الأولى تشرين الأول (2017نقرأ في كتاب (خطاب الأسد من الإصلاح إلى الحرب)، لمؤلفه د.سامي كليب، الطبعة الأولى تشرين الأول (2017)، دار الفارابي للنشر، ص(26)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :