لم تتوقف الإساءات التي تطال المرأة وحقوقها عن حدود معينة ، لتتجاوز الأطر الضيقة إلى ساحات أوسع ، يتم من خلالها الترويج لأراء مناهضة لعمل المرأة عبر فضاء الغناء .
وعندما تتبنى وسائل الإعلام ومنها الإذاعات مثل هذه الأغاني ،فان ذلك يعد مسا بحقوق المرأة وانتقاصا من كرامتها ، فلا يعقل أن تردد إذاعاتنا آخر تقليعات الإساءة إلى المرأة أغنية للمطرب اللبناني محمد اسكندر .. ذلك المطرب الذي افرد أغنيته ألمعروفه باسم "جمهورية قلبي" ضد عمل المرأة كحق طبيعي كفلته كل الدساتير العالمية ، رافضا عملها وكأن العمل يمس شرف المرأة .
ولم يتوقف المطرب بإساءاته عند هذا الحد ، بل وصل به الأمر إلى توجيه الاتهامات للمرأة العاملة بقوله :"بكرة المدير بيعشق ، وبيتحرك إحساسه ، وطبيعي إني أنزل أهد الشركة على رأسه "، وكأن عمل المرأة لغايات الحب والعشق ،ومن أجل أن توقع في شباكها المدير والموظف .. وليس حاجة طبيعية لها ، مثلها مثل الرجل الذي تتساوى معه في العلم والعقل والتفكير والقدرة على العمل والعطاء ، كما أن المجتمع يمكنه أن يستفيد من قدراتها العقلية والعلمية !
وأذكر هذا المطرب ؛ بالمرأة العاملة الأرملة ، التي تعيل أبناءها الأيتام من نتاج عملها ، وتلك المرأة التي أقعد المرض زوجها ، فأخذت المبادرة عنه في رعاية أسرتها ، أو تلك التي تمد يد العون لأسرتها لنشلها من الفقر أو تقدم المساعدة لتمكين إخوتها من إتمام دراستهم ، وتلك التي لم تستمر في الزواج لاي سبب من الاسباب أو تلك التي لم يحالفها الحظ في الزواج ، هل يعقل أن تبقى على قارعة الطريق تنتظر من يفتح لها قلبه وينصبها - على رأي المطرب - " رئيسة جمهورية قلبه " ، لتجد عملا تقوم به؟!
وهل الظروف المعيشية الحالية الصعبة ،وارتفاع الأسعار المتزايد ، سيمكن المرأة من القيام بواجباتها التي أوكلتها إليها؛ بأن تكون " ملكة " في مملكة تفتقر إلى أبسط المتطلبات الحياتية اليومية ؟!
لقد ذهب هذا المطرب إلى أبعد من ذلك ، وهو يحدد الوظائف المسموحة للمرأة الحبيبة بقوله :" شغلك قلبي وعاطفتي وحناني" ، وعلينا أن نقول له "يكثرُ خيرك" أنك أعطيت المرأة وظيفة مهمة ، لن تمكنها من أن تلجأ إلى وظيفة أخرى .
وتتجاوز النظرة السلبية للمرأة عند ذلك المطرب ، الذي يعتبر نفسه فنانا يحق له أن يفن على راحته ، فشكل من قلبه جمهورية وعيًن للقلب ، حبيبته رئيسة للجمهورية المشكلة بأمر وقرار منه ، بحيث حدد لها وظيفة ، وهي أن تبقى إلى جانبه ، وهو أمر أساسي ، واعتبر حضرته أن عمل المرأة ووظيفتها سببا لإحداث التفرقة بين الرجل وزوجته ... ويكمل سرده المتعجرف وهو يلعن أبو "المصاري " التي سيحرقها كرامة عينها "فشرت عينه".
وينهي تعجرفه بقوله ".. شغلك قلبي وعاطفتي وحناني، مش رح تفضي لـَ أي شي تاني، بيكفي إنك رئيسة جمهورية قلبي..".
وفي مقطع آخر يصرح هذا الذي يعتبر نفسه مطربا ، ويصدر فرمانا بما هو مسموح وممنوع ويطلق أحكاما : "نحنا ما عنا بنات تتوظف بشهادتها، عنا البنت بتدلل كل شي بيجي لخدمتها"، ويأمر ذلك المتغطرس بقوله :"شيليلي الفكرة من بالك أحلالك ،ليش بتحبي المشاكل لحالك "،ويعتبر أن حق المرأة بالعمل مشكلة تجلبها لنفسها.
ويستهزئ وبطريقة خطيرة أدخلها من خلال اللحن والموسيقى الراقصة التي تجذب الشباب ، بكلمات سامة ولاذعة ترسخ مثل هذه المفاهيم في أذهان المستمع .
يعيد بنا هذا المطرب بمثل هذه الكلمات السطحية ، في موضوع حقوق المرأة إلى نقطة الصفر ،والى أيام الجاهلية ، عندما تستمع الأجيال الصاعدة إلى مثل هذه الأغاني ،وهو يقول :"حقوق المرأة على عيني وعلى راسي ، بس يا ريتك بتراعي إحساسي " ، فيطلق بذلك حكما على المرأة بأنها لا تراعي إحساس ومشاعر الرجل.
والأدهى من ذلك أنه يمس المرأة الأم والزوجة والأخت والإبنة ، عندما يسمح لنفسه وهو الذي لم يراعي الأصول وأدني حدود الأدب ، أن يتوج حبيبته التي يفرض عليها أن تنصاع لأوامره ، لمجرد أن تملك ذلك القلب بأن يمنحها لقب ملكة ... عجبا لا صلاحيات لديها سوى أن يكون قلبه مملكتها هو كل شغلها الشاغل .
أقول لذلك الفنان بغض النظر إن كنت صاعدا أم هابطا : لن تصل إلى هدفك غير السامي ، وأقول لنساء الأرض اتحدوا لإسقاط جمهورية اسكندر الوهمية المبنية من الكرتون والوهم والسراب .
وأقول حتى أنت يا اسكندر .. لن نسمح لك أن تسلبنا حقوقنا في العمل والعطاء ، وأن تعيدنا إلى زمن "سي السيد".
كلنا مع دلال وتدليل المرأة، وأن تجلس وتلبى رغباتها ، وحسب قول المطرب " كل شيء بيجي لخدمتها " ،ولكن ليس على طريقتك .. لذا أدعوا كل نساء الأرض أن يقاطعن جمهورية "قلب اسكندر" الكرتونية المزيفة التي لا يراد منها سوى أن تحد من طموح وتقدم المرأة .
Jaradat63@yahoo.com