مشاهدات اقتصادية عالمية وإقليمية
د . خالد الوزني
31-08-2021 11:45 PM
في العالم اليوم بعض المشاهدات الاقتصادية العالمية التي تستحقُّ التوقف عندها. المشاهدة الأولى تشير إلى أنَّ الاسواق المالية العالمية تتعافى، وأنَّ التحولات الاقتصادية تسير نحو معدلات نمو إيجابية وصلت إلى أرقام أفضل مما كانت عليه قبل الجائحة، وبخاصة في الولايات المتحدة، والصين، وبعض دول المجموعة الأوروبية. بل إنَّ تدفقات الاستثمار الاجنبي عادت إلى المنطقة وبمعدلات جوهرية كما هي الحال في السعودية، بنسبة تجاوزت 20%، وكذلك الأمر في مصر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر.
كما أنَّ معدلات البطالة بدأت بالتحسُّن الملموس في بعض الدول، وبدا أنَّ معدلات التضخُّم تسير نحو المعدلات المستهدفة، التي تشير إلى تحسُّن معدلات الاستهلاك الخاص في العديد من دول العالم.
والشاهد هنا، أنَّ دول العالم تخطِّط وتعمل لما بعد أزمة الوباء، ولم تعد تتعذَّر بها، أو تتعثر بها.
أمّا المشاهدة الثانية، فهي في اعتماد الدول على فوائض جهازها المصرفي المتاحة، في تمويل عمليات ونفقات الخزينة؛ الرأسمالية والجارية، دون اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، ذلك أنَّ مقولة مزاحمة القطاع الخاص على الفوائض المتاحة لا تعمل في ظل الأوضاع السائدة في العالم، إمّا لتراكم فوائض أكثر من حاجة القطاع الخاص، بسبب حالة الترقب أو الركود الوقتي، وإمّا لتراجع مستويات عمل القطاع الخاص في العديد من الدول.
ذلك أنَّ اللجوء إلى الاقتراض الخارجي في الظروف الحالية التي نشهدها هو بمثابة أعباء مالية مستقبلية كبيرة على القوة الشرائية للعملات، والاحتياطيات الأجنبية الكامنة للدولة. فتدبير السداد مستقبلاً، سيعني ضغوطاً كبيرة على الاحتياطيات الأجنبية للدول المقترضة، كما أنَّ استخدام المتاح من فوائض الجهاز المصرفي، الذي في الأصل معطَّل لعدم وجود اقتراضٍ كافٍ، هو بمثابة منفعة لقطاع البنوك والحكومة معا، فالبنوك ستحقِّقُ عوائدَ جرّاء ذلك، والحكومات ستحصل على ضرائب على تلك الأرباح.
كما أنَّ الاقتراض المُتزِن بالعملة المحلية من الجهاز المصرفي لا يشكِّل أيَّ ضغوط حقيقية أو ملموسة على القوة الشرائية للعملة، ولا يزيد من التبعية الاقتصادية للخارج، وهو ذو مخاطر صفرية على الجهاز المصرفي حسب التصنيفات العالمية للمديونية، ناهيك عن سهولة تسديده عبر سياسات بيع وشراء السندات المحلية بشكل مستمر في السوق المحلي.
يضاف إلى ذلك كله أنَّ تنشيط سوق السندات الحكومية، وأذونات الخزينة سيحفِّز البنوك على البحث عن ودائع محلية وخارجية لتلبية الطلب المحلي للقطاع الخاص وللحكومة معا. فالمزاحمة في الظروف الحالية ليست قائمة فعلياً.
المشاهدة الأخيرة تكمن في المؤتمر الإقليمي الدولي الذي عُقد في بغداد تحت عنوان التعاون والشراكة، بمشاركة دول جوار العراق، الخليجية وغير الخليجية، وفرنسا، مع تواجد ملموس لتركيا، ولبعض المنظمات الدولية الإقليمية.
هذه التحركات مهمة للغاية على المستوى الإقليمي، وتبشر بانفراجة كاملة في العلاقة بين دول المنطقة، وبخاصة بين دول الخليج، وبينها وبين باقي الدول العربية، ومع تركيا.
وللأردن فرص كبيرة في الاستفادة من هذه الجهود. وهو بحاجة فقط إلى مصفوفة عمل تساعده على تحديد ما يمكنه أن يقدمه ويستفيد منه اقتصاديّا ضمن هذه المجموعة.
وهذه الاستفادة كبيرة ومهمة في جميع القطاعات الاقتصادية بالنسبة للأردن، والأمل أن يتشكَّل فريق عمل أردني، وأن نعدُّ هذه المبادرة العراقية، إضافة لمبادرة الشام الجديد، مشروع عمل خاص يتطلب مصفوفة إدارة مشاريع شاملة متكاملة، بالتنسيق مع مختلف الجهات ذات العلاقة، وبخاصة في القطاع الخاص، بما يساعد على وضع تلك القضايا على المسار ضمن مصفوفة حقيقية قابلة للتنفيذ، وهي مصفوفة يجب أن ترافق جميع اللقاءات القادمة ضمن تلك المبادرات؛ أكانت على مستوى القادة أم على مستوى الحكومات.
(الرأي)