الديمقراطية ومصادر السلطات
أ. د. انيس الخصاونة
30-08-2021 04:44 PM
مفاهيم "الوطن" و"الانتماء" تحدث فيها كثير من الفلاسفة والمفكرين منذ قديم الزمان ابتداء بأرسطو وأفلاطون، وابن خلدون، والكواكبي، ومونتسكيو، وفولتير، وانتهاء بجاكوربيه، وألموند، وفيريا وكلهم ركزوا على أن الأوطان هي ملك للشعوب وأن الحكام يديرون الأوطان ولا يملكونها.
وقد أسهب هؤلاء الفلاسفة والمفكرون في تحديد عناصر ومتطلبات تسهم في تعزيز الديمقراطية، والانتماء للوطن، وضمان عدم الاستبداد والتعسف في استخدام السلطة. ومن ضمن الضوابط الأساسية التي وضعوها للحيلولة دون ممارسة الدكتاتورية من قبل الحكام هي الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتوزيع السلطة بشكل متواز ومتوازن بين الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية بشكل يضمن عدم استحواذ أي هيئة على قدر أكبر من السلطة يمكنها من الهيمنة على السلطات الأخرى حيث أكد مونتيسكيو على أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، وأن الحاكم حتى وإن كان عادلا فهو يمكن أن يصبح فاسدا إذا ما امتلك الأمر كله وأصبح هو مصدر السلطات بدلا من الشعب حيث يكون هو من يرفع وينزل، ويعطي ويمنع، ويقرب ويبعد، ويحكم ويعفو.
وقد اتفقت معظم الشرائع على أن اعتماد مبادئ "الديمقراطية" و"الشعب هو مصدر السلطات و"عدم احتكار السلطة" من قبل أي جهة و هيئة أو رئيس او ديوان هي الضمان لاستقرار الدولة، واستتباب أمنها وأمانها، وازدهارها، وغياب الأنماط المستبدة للحكم، والفرعنة والتجبر بالشعوب.
حكام عرب، يقاومون أي دعوات للديمقراطية حتى وإن أيدوها ظاهرا أو دعوا إليها عبر شاشات التلفزة، والمذكرات الشخصية، والتصريحات الإعلامية.
إنهم يقاوموها لأنها تحد من صلاحياتهم ومن قدرتهم على الوصول الى مقدرات الدولة. في العلن يدعون الى الديمقراطية ويتباهون ببعض مظاهرها الاستعراضية، ويسوقون وضع بلادهم على الدول الغربية وكأنهم ديمقراطيون حتى العظم مع أنهم يكيدون لدعاة الديمقراطية. حكام عرب يقاومون أي حركة تحرر في العالم ليس فقط العالم العربي ولكن في العالم أجمع لأنهم يشعرون بأنها تهددهم.
مبادئ التحرر تتناقض مع أسس شرعية الحكام المستبدين ولذلك تجدهم يبحثون عن شرعية أو أنهم يلصقون بأنفسهم خصائص ميتافيزيقية وألقاب وخرافات وأوهام توحي بأنهم يمتلكون ما لا يمتلكه البشر من خصائص وصفات.
لن تتقدم الديمقراطية في بلاد بوجود حكام يعتقدون أن الديمقراطية ستحرمهم من امتيازاتهم، وتعاملهم على أنهم مواطنون مثل باقي مواطنيهم، بمعنى آخر فلا مبرر لهؤلاء الحكام أن يحرموا أنفسهم من التعامل مع الأوطان على طراز الإقطاعيات والممالك الأوروبية والإفريقية في القرون الوسطى ما دامت الشعوب قابلة بذلك ومستمرئه للعيش كرعايا لا كأسياد على أرض بلادهم.
نعم حكام عرب لا يرغبون بأي دعوات للديمقراطية لأنها تنزع ملكيتهم للوطن وتعيدها للشعب. أنهم لم يقرأو تاريخ الشعوب التي تحررت رغما عن حكامها، إنهم لم يتعظوا بتاريخ الاستبداد ونهايات المستبدين في جنوب إفريقيا ونيبال وتونس ورومانيا وفنزويلا وتركيا ومؤحرا وأفغانستان وغيرها. إنهم يصرون على تجاهل قيم الديمقراطية والحرية ويحيكون المؤامرات والحيل للنيل من دعاتها والمدافعين عنها لأنهم يهددون وجودهم ومصالحهم. إنهم لا يستطيعون أن يتفهموا ما قام به قادة خلدهم التاريخ أمثال شارل ديغول في فرنسا، ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا وغيرهم الذين حرروا شعوبهم وتنازلوا طوعا عن السلطة لقيادات منتخبة من قبل شعوبهم مباشرة.
نعم حكام عرب لم ولن يتفهموا كلمات آخر ملوك دولة نيبال وهو يقول أثناء مغادرته قصره الذي جرى تحويله الى متحف بعد مائتين وأربعون عاما من الحكم المستبد «تابعت حكم الشعب وأحترمه».