هل الفن وعاء ثقافي ؟ وهل حرّمت الأديان الأوعية أم حرّمت أثر المضامين ؟!
من البديهي والمعلوم أن الفن هو عبارة عن وعاء يحتمل أن تضع به ما تشاء من المضامين، وما يطلق عليه اسم الفن بداية هو عبارة عن أنواع متعددة من الأساليب والأشكال التعبيرية الساحرة، تقدَّم للناس بأسلوب جذاب، وتخطف انتباههم ودهشتهم وتعاطفهم فيصبح من السهل تمرير المضامين تبعاً لصاحب هذا الوعاء وهدفه ،لذلك يعتبر الفن من أخطر الاساليب في توعية أو توجيه العقل الجمعي اتجاه ما يراد له أن يكون، والفن هو ما تخطى الحدود العادية البشرية في اتقان مهارة ما إلى ما يشبه أو يقارب الإعجاز عند من تصيبهم الدهشة تبعاً لقوة هذه المهارة.
- أنواع الفن :
إن أنواع الفنون المتعارف عليها والتي من الممكن أن تتسع لمضمون ما هي:
الرسم والتصوير والتصميم - الموسيقى والغناء - الكتابة والأدب - لوحات البالِـيْه - التمثيل باختلاف وسائل عرضه :
( مسرح - سينما - تلفزيون - يوتيوب - وسائل تواصل مختلفة .. إلخ ) .
والرسم كان ربما هو أقدم وسيلة أو وعاء لنشر وبث الأفكار والأحداث، وقد وصلتنا حضارات مختلفة عبر العصور بوساطة الرسم مثل نقوشات الفراعنة والرومان وغيرهم، أما الموسيقى فكانت تعبر عن كل حضارة تبعا لقوة الدولة وثقافتها ومنعتها، و لكن بدأ يصلنا منها فقط ما استطاع التطور التكنولوجي في القرنين الأخيرين أن يوصله لأنه مادية سمعية، وحتى ما وصلنا من النوت المكتوبة يعتبر قليل ونادر قياساً لما هو موجود منذ مئة عام على سبيل المثال.
- خصائص الفن :
حتى نطلق على شيء ما أنه فن وعائي، يجب أن يتصف بالخصائص التالية :
1- الفكر والمضمون الحر
2- الثقافة البنائية
3- الرؤية والهدف النبيل
4- المهارة العالية
5- الإخراج الإبداعي
فأي محتوى فني وعائي يخرج عن جُل ما ذُكر ينحدر ليعطي مفعول عكسي فيهدم ولا يبني، وينحط بالمجتمع ولا يرفعه، ويروج للرخص والتسطيح والطغيان، ويصبح عبء على الثقافة المجتمعية البناءة .
- ما الذي حرمته الأديان ؟ وهل يا ترى نزلت نصوص مقدسة واضحة لا لبس بها تحرم الأوعية ؟ وما هي الأوعية بداية ؟
- الأوعية نوعين : * أوعية مادية :
والوعاء المادي هو في قواميس اللغة ( أداة مُجوَّفة تُوعى فيها أو تُجمَع وتُحْفَظ الأَشياء من سوائل وجوامِد ونحوها ) مثل الإناء المنزلي الذي يُصنع من الخزف أو الزجاج أو المعدن كوعاء الطبخ أو إناء حفظ الشاي أو القهوة وممكن أن تطلق على أوعية مادية أخرى مثل الوعاء الدموي، وهي قناة أنبوبية مرنة مثل الشريان أو الوريد والذي يدور الدم من خلاله.
* أوعية معنوية :
الوعاء المعنوي هو كل ما حوى مادة فكرية تحمل معنى يراد من ورائه توصيل رسالة ثقافية ويمكن أن يحفظ هذه الرسالة لنعود لها متى أردنا، مثل : الكتاب واللوحة والأغنية .. إلخ .
- وللإجابة على سؤال هل حرمت الأديان وخوصاً الدين الإسلامي الأوعية المادية والمعنوية أم حُرِّم ما يحتويه الوعاء نقول هل هناك نصوص بتحريم الصحن والكأس والطنجرة أو الكتاب والبرواز، والصوت البشري أو صوت الهواء الذي يدخل في القصب لينتج صوت الناي أو صوت قرع الأدوات الجامدة أو التصفيق الذي ينتج إيقاعاً رتميّاً أو صوتاً نغمياً مثل القرع بمعدن على عدة كؤوس بالتتالي تحتوي الماء بنسب مختلفة فتصدر أصوات مختلفة الطبقات تشبه النغمات ! أم أنّ ما حُرِّم في الواقع هو الأثر السيء الذي تتركه هذه الأوعية واستخداماتها حالما تُملأ بما هو ضار سواءً للجسم البشري أو للنفس البشرية؟
- فليس الكأس هو المحرم بل مايحتويه من ضرر للجسد، وليست اللوحة أو الأغنية هي المحرّمة، ولكن الاثر الضار التي يتركه مضمون
هذه الوسائل أو الأوعية على النفس والروح ! و سواءً على الفرد أو المجتمع، فالأديان نادت بدايةً جميعها بحفظ النفس والأجساد البشرية، وحينما ينتشر الغناء الخلاعي على سبيل المثال والذي لا يحتوي على أي مظهر من مظاهر الثقافة البنائية فإنه يروج لثقافة هدامة للمجتمع فهو ما حُرِّم بلا شك، وحتى جميع أنواع الأعمال الهابطة التي تهبط بالذائقة والفطرة السليمة.
- الفكر المريض الهدّام :
وعندما ينتشر أيضاً الفكر الهدّام الذي يدعو لتحريم كل وعاء يمكن أن يوضع فيه ما يفيد الناس، فهو أكثر ضرراً من هذا الإنحلال الخلقي ، لماذا ؟ لأنه يمنع الوسيلة إلى المنافسة و نشر فكر بنّاء من خلال نفس الوسائل التي روجت للفكر الهابط فهو يترك الانحلال ليصب جام غضبه على الوسائل التي تحتوي هدف نبيل وهذا سمة الفكر الخارجي المريض الذي دمر المجتمعات ولاقى رواجاً ودعماً دولياً، وبالتالي هو الذي ساعد بالترويج للتسطيح والاستسهال، تماماً كسمات الخوارج يَدَعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام كما أشار المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
- الجانب التخصصي :
وحتى نلقي ظلال تخصصية شرعية على الموضوع، فقد أشار كثير من علماء الأمة الثقات ومنهم الأزاهرة وعلماء بلاد الشام وعلى سبيل المثال ذكر الإمام البوطي حول هذا الموضوع عدة مكونات تفصيلية يجب أخذها بعين الاعتبار، قبل إطلاق حكم التحريم أو التحليل : - فكرة وموضوع و شعر حلاله حلال وحرامه حرام..
- لحناً إما يكون جاداً أو مائعاً
- مغنياً له سلوك محمود على ألا يتفرغ ويجعله عمله الخاص
- أداء لا يخرج عن الآداب العامة
- مجتمع اختلاطي حذر من انفتاح مقدمات تؤدي ما لا يحمد عقباه
- الصوت ليس عورة
فمن يضمن لنا اليوم بتطبيق كل هذه الخواص حتى نخرج من الشبهات، سوى القشليل القليل من الجادين والذين أثروا الساحة بالأصيل
- الخلاصة:
- كل وعاء ممكن أن يوضع به الجيد أو السيء والوعاء هو وسيلة وليس غاية بحد ذاته، ولا يمنع الفساد الذوقي للمحسوبين على الوسط الفني أو الثقافي من وجود البعض المخلص الذي يجب أن نفسح له المجال ونقدم له الدعم ليرتقي بالمجتمع ويقدم له خلاصة جهده ..
ألا هل بلغت اللهم فاشهد .