لم يكن أبو مصطفى يحلم بشيء في حياته أكثر من أن يرى ولديه، وقد حملا الشهادة الجامعية التي لم يستطع أن يحصلها.. فيتمه وضيق ذات اليد.. والجهل المطبق في بلادنا لم تتح له سوى الوصول إلى الثالث الابتدائي قبل أن يتحول إسكافيا محترفا.
وفور أن تزوج حرص أن يبني في بيته مكتبة قبل غرفة نومه.. أراد لأبنائه أن يرثوا علما وثقافة.. لا سندانا ونصف نعل..
رزق أبو مصطفى ببكره مصطفى وليلى، رباهما على حب العلم، والدراسة والثقافة، لم يكن يبخل على نجليه بأي شيء.. ومع الأيام بدأ يرى فيهما بارقة أمل في جيل ينهض بأسرة وأمة.
كان في قمة سروره حين يسألانه عن معنى الكلمة هذه.. أو نتيجة العملية الحسابية تلك..
كبر ومصطفى وكبرت ليلى.. ويوما جلسا إلى أبيهما الإسكافي، أبا يرونه أكثر الناس علما، وسلا: "لقد قرأنا في درس الاجتماعيات أشياء لم نفهمها، ونريد أن نحضر الدرس كما عودتنا لنعرف كيف نجيب الأستاذ".
قال: هاتا ما عندكما..
سأل مصطفى: ما معنى الشمولية؟ فأجاب الأب: "هي أن تستخدم يدك الشمال لضرب من لا تحب، ومن يحاول أن يعترض عليك".
سألت البنت: وما هي الرأسمالية؟ فأجاب: "هي أن يكون المال للرأس لا يمنحه إلا لمن يريد.
أردفت بسؤال يقول: وما هي الإقليمية؟ قال: "هي مكونة من كلمتين (اقلي مية) أي أن تقلي المياه حين لا تجد ما تطعم أطفالك".
سأله ابنه عن العولمة، فاستغرق الأمر لحظات قبل أن يجيب أبو مصطفى قائلا: "هي كلمة منحوتة من اثنتين (عو ولمـه) فهي النباح الذي يعقبه تجمع.
سؤال أخير طرحه مصطفى، قال: ما هي الديمقراطية يا والدي؟
غضب الإسكافي واكفهر وجهه وقال له.. أخلد أنت وليلى للنوم.. لا أريد كلمات نابية في بيتي.. ألم تعلما أن موفق ابن النجار مسجون منذ سنين ولم نعرف أين هو لأنه قال للمحافظ أين الديمقراطية؟ "عيب عليكما".
حمل الطفلان الإجابات إلى المعلمة... نهرتهما واتهمتهما بالاستهزاء بها.. لكنهما أجابا ببراءة:
"أبي أجاب هكذا".
كانت تعرف والدهما، فهو لا ينفك يزور المدرسة للاطمئنان عليهما، كما أن المعلمة تمر به باستمرار لإصلاح حذائها قبل أن تتكلف واحدا جديدا.
غرقت في بحر من الأفكار لتقول لهما ولكل الطلبة: "حكمة الإسكافي لا مثيل لها فهي الحقيقة التي لا نريد أن نسمع.