قلّة الشغل لا تعلم التطريز فحسب، بل تعلّم ايضا التمسمر أمام التلفزيون لساعات طويلة.. ومن موقعي هذا شاهدت برنامجا على إحدى الفضائيات الوثائقية، يبين للمشاهد بالتفصيل الممل كيف يتم بناء نموذج كامل لسفينة التايتانك العملاقة الفخمة التي غرقت عام 1912، وذلك عن طريق مراجعة الفواتير وشراء واستخدام ذات المواد التي صنعت منها السفينة بكل ما فيها من زجاج وخشب وحديد ونحاس وذهب وحمامات وثريات وكنبايات ومماسح وشطافات.. وخلافه.
تخيلوا أيضا لو أردنا في بلادنا أن نعيد تصنيع أي شيء لدينا بالعودة الى الفواتير القديمة. الفكرة بحد ذاتها مضحكة، لأن الفواتير. فواتيرنا ما غيرها.. لا تعبر على الإطلاق عن واقع الحال، بل تعبر عن مجموعة من الكومشنات والمصالح المعقدة والعلاقات التوظيفية والتعيينية والشرائية التي تجعل الواقع مجرد فكرة باهتة عن الخيال.
لن تجدوا في البلاد العربية، ما يطابق بين حساب القرايا وحساب السرايا، فكلنا في الهوا شرق. الاعتداء على المال العام سنّة، وليس عيبا، واشتراع فوق التشريعات وفريضة فوق القانون، والسرقة ليست عارا بل شطارة، ومن يقترفها أو من يعين المئات من اقاربة في الوظائف على حساب الدولة هو المحترم الفاضل الذي لا ينسى أصله وفصله.
تخيلوا أننا نريد الان إعادة إنشاء العديد من المشاريع والطرق و و و و و و، بدون تخصيص أو تنصيص.
سنكتشف أن ما هو مكتوب بالفواتير لا علاقة له بالواقع، وسنجد مثلا أننا اشترينا (شميمتو) وحديد تسليح لمباني مصنع، تبني عشرة مصانع من ذات الحجم والمواصفات. أو أن الفواتير تتحدث عن حديد تسليح تخين، بينما نجد في المباني حديد تسليح مثل معكرونة الزيرو.
لذلك أتمنى على كل من يريد إعادة انتاج الماضي على شكل مشاريع عامة، أن يبحث عن آلية أخرى للتنفيذ غير نسخ العطاءات وأساليب التلزيم وفواتير المواد المستخدمة، ناهيك عن عدد المستخدمين وسيلاحظ من يعمل على ذلك فورا أن السرقات تحصل بكثافة وتنظيم وكفاءة، مع أن كل مشروع يبدأ يتم تعيين أكثر من ثلثي الكادر عددا تحت المسمى الوظيفي: حارس!!.
وتلولحي يا دالية
الدستور