لا تكاد تخلو محاضرة أو لقاء لمسؤول سابق أو حالي إبتداءاً من رؤساء الوزارات او الوزراء وما اكثرهم وحتى المسؤولين دون ذلك المستوى ، من تذمر لا ينقطع عن سوءالوضع الذي وصلت اليه الحال في البلد سواء على مستوى المؤسسات التي اصبحت مترهلة بنظرهم ، وحالة الفساد التي تغلغلت وأصبحت تضرب اطنابها في عمق الدولة وتنخر جسدها وما أدى اليه ذلك من مديونية ،وبطالة وفقر إضافة إلى تراجع أداء مؤسسات الدولة بكليته وبدون إستثناء ، ولا ينسون طبعاً إنحطاط سلوك المجتمع وتراجع منسوب الاخلاق العامة ، إلى ما دون المستوى المأمول لديهم ، طبعاً لم يقم أحد بتحديد ذلك المستوى حتى الآن ، ولا أنسى حديثهم الممجوج عن الشباب المظلوم والتائه بلا أمل وضرورة إيجاد دور لهم ، وبعد كل هذه البكائية التي لا تنتهي يبدأ هؤلاء السادة بتحليل الأسباب التي أدت إلى ذلك ، طبعاً يستطيع المتتبع أن ينتقي كل ما يخطر على البال من أسباب إلا سبب واحد ،أن أياً منهم لم يعترف للحظة أنه قد يكون واحداً من الاسباب ، هذا هو المستحيل بعينه ، ومن جملة الاسباب التي يتكئون عليها بشكل أصبح متكرراً هو المجتمع الذي أصبح إتكاليلاً يفتقر الى القيم العامة التي تمتعنا بها سابقاً ، ويتناسون أن ما يزيد عن مليون اردني مشتتون خارج بلدهم يبحثون عن مصادر لعيشهم ، لو وجودها في بلدهم لما تجشموا عناء السفر والتغرب.
حينما اعتقلت القوات الالمانية الفنان بابلو بيكاسو سأله أحد الجنود عن لوحته (الغرنيكا والتي تجسد القصف الالماني لتلك المدينة وتدميرها ) من فعل ذلك ؟ فكان رده أنتم !، وحينما يُسأل المجتمع من أوجد كل حالة التشتت والتشظي التي يعاني منها ؟ سيكون جوابهم واضحاً دون مواربة (هم !)، ما ينفقون الساعات للإلتفاف عليه ومحاولة تبريره والتنصل منه ومن مسؤوليتهم عنه سيجيبهم عنه طفل أوي أي مواطن بأي مستوى ! نعم فهم من أدار الدولة ومؤسساتها خلال العقود الماضية وهم من كانت ناصية القرار بيده ، فالترهل والفساد لم يكن وليد اللحظة ، بل خططت له مجموعة من المنتفعون الذين جيروا تلك المؤسسات لصالحهم وبالتالي فقدت بوصلتها الوطنية وأتجهت نحو مصالحهم ، وفقدت بالتالي قدرتها على التجدد والتطور وتوقف بها الزمن عند حدودهم لا حدود البلد ، والمؤلم المبكي أنهم من أوصلنا الى هنا وهم من يوكل اليه اصلاح الحال ، فعليهم محاربة الفساد ، وعليهم إعادة مؤسسات الدولة للعمل بديناميكية وحيوية ، وعليهم إعادة التعليم الى مستواه ، وعليهم تحقيق الديمقراطية ، وهذه بحد ذاتها مُضحكة ، فجلّهم لا يؤمنون بالنقابات ، ولا بالاحزاب ، ولا برأي أحد غيرهم ، وحقوق الانسان بالنسبة لهم ترف فاسق جاءنا من الغرب ، ومع ذلك مطلوب كل ذلك منهم.
اعتذر عن كمّ القسوة في الكلام الذي لايمكن ان ينطبق على الجميع ، لكن حينما يصل اي شعب او أمة الى مستوى من التراجع يهدد بقاءه يجب أن يحاسب ذاته على الاخطاء التى أرتكبها وبمنتهى التجرد وينطلق في ذلك من الحاضر الى الماضي ، لا أن يلقي بالمسؤولية بشكل مطلق على المبني للمجهول فتلك جريمة في حدّ ذاتها ، فجلّ الشعوب التي نهضت إمتلكت الجرأة الكافية لمحاسبة ذاتها ، ومعاقبة كل مخطئ ، لقد جاء الوقت لإختصار كل المبررات التي يسوقونها والاعتراف بشىء واحد هو مسؤوليتهم عن ذلك فالشعب الذي يلومونه لم يكن ابداً شريكاً في صناعة قراراتهم بل من هو دفع ثمنها ، فالاستمرار بالتذمر من الشعب اصبح ممجوجاً وفقد معناه وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة .