القوة التي تتحرك بها الدبلوماسية الأردنية أضحت مدار حديث النخب وقادة الفكر والمحللين للشأن السياسي، سواء محليا، أو حتى على مستوى المنطقة والعالم. فمن شرق الأرض، في موسكو مؤخرا، إلى غربها، في واشنطن قبلها بأسابيع، إلى عواصم القارة الأوروبية وغيرها في المستقبل القريب، تسجل الدبلوماسية الأردنية، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، نجاحات متقدمة في تواصلها مع مختلف مراكز القرار العالمي بهدف وضع أولوياتها على رادار السياسة الخارجية لهذه الدول، وإدارة أزمات المنطقة بأقل الأضرار، وبالتالي حماية المصالح العليا للوطن في مسارين، أولها إقليمي وانعكاساته على سلم الأولويات الوطنية، والآخر على مستوى العلاقات الثنائية، خصوصا ما يصب في تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والانسياب الاستثماري.
فعند الحديث إقليميا، نجح الأردن، وبعد أن ولت صفقة القرن المجحفة، من إعادة الاعتبار دوليا لحل الدولتين، مخرجا للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ولو بعد حين. وهو الحل الذي تتوافق عليه واشنطن وموسكو وعواصم الاتحاد الأوروبي، وهي الأطراف الفاعلة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط تاريخيا، ما يمهد لوضوح الوسيلة والمبتغى لاستئناف المفاوضات مستقبلا، وصولا الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا هدف استراتيجي يصب في مصلحة الأردن العليا. ولنتذكر هنا أيضا القوة التي تعاملت بها الدبلوماسية الأردنية لإنهاء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني قبل أشهر، وما تبعه من وقف الاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية في القدس، وتحقيق وإدامة التهدئة في غزة الصامدة.
وعلى مستوى المنطقة أيضا، نجح الأردن في وضع تصوراته الأمنية والاقتصادية بما يخص تطورات الأوضاع على حدوده مع سورية أمام صناع القرار الأميركي والروسي والأوروبي، ما سيسهم في تعزيز جهود ضمان أمن حدود الوطن الشمالية من الصراعات في الداخل السوري ومن المتسللين وتجار السلاح والمخدرات وغيرهم، وعودة قريبة مؤملة لانسياب الحركة الاقتصادية والتجارية بين البلدين، ولو على مراحل وعبر استثناءات، في ظل التعامل مع قانون قيصر، وهو قانون العقوبات الأميركية ضد دمشق. وفي هذا مخرج اقتصادي يضاف إلى ما قام به الأردن من تحركات واتفاقات في ضوء مخرجات قمة بغداد مع قادة العراق ومصر في الماضي القريب، وبعدها بفترة القمة الثلاثية الأردنية اليونانية القبرصية في أثينا.
ما تقدم هي أمثلة لما تحققه الدبلوماسية الأردنية، بتخطيط محكم واستباقية جادة وعمل متواصل، ما يسهم في إدارة وإخراج مسرح الأحداث بطريقة ونتيجة يكون الأردن فيها لاعبا أساسيا يحمي مصالحه في منطقة تموج تاريخيا بالصراعات المعقدة بين القوى الإقليمية والعالمية.
أما عند النظر دبلوماسيا على مستوى العلاقات الثنائية، فلنأخذ مثلا التقارير الصحفية التي تتحدث عن مفاوضات قريبة بين الأردن والولايات المتحدة لتوقيع مذكرة تفاهم جديدة بين الجانبين بخصوص المساعدات الأميركية للمملكة، حيث تنتهي المذكرة الحالية العام المقبل. ومن المتوقع أن تراعي المذكرة المقبلة، وفي ضوء القمة الناجحة بكل المقاييس بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي جو بايدن، واللقاءات المثمرة مع أركان الإدارة الأميركية وقيادات الكونغرس في واشنطن، احتياجات الأردن المتزايدة، وبالتالي رفع قيمة هذه المساعدات وتنوعها.
وثنائيا أيضا، لنتمعن في تصريحات جلالته والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في بداية قمتهما في موسكو، من “وجود فرص كثيرة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا في مجال الزراعة والقطاع الطبي وإنتاج اللقاحات في المستقبل القريب”. أليس هذا كله يسهم، بطريقة أو أخرى، في تعزيز المنافع الاقتصادية للأردن مع روسيا؟ والتي تعد أيضا بوابة مهمة لتعاون اقتصادي مع العديد من دول المنطقة والعالم.
للدبلوماسية مقاصد كثيرة، لكن مدخلها الأهم هو فن التفاوض وتوقيته. والأردن يخطو بذلك بقوة مع عواصم العالم المؤثرة على مختلف الصعد، رغم تباين بعض هذه العواصم من مواقفها السياسية مع بعضها بعضا تجاه قضايا دولية عديدة، وما على الحكومة والقطاع الخاص لدينا إلا استثمار نتائج الجهود الملكية والاتصالات مع العالم بحنكة وخطة عمل ومتابعة حثيثة، لما فيه خير الوطن والمواطن اقتصاديا واستثماريا وسياحيا… والقائمة تطول.
(الغد)