قال الدكتور صبحي الصالح في كتابه فقه اللغة : إن اللغة وسيلة تخاطب وتفاهم ، والتخاطب هنا الحوار بين اثنين ، والتفاهم الهادف الذي يوصول إلى رضا الطرفين ، وقد لمستُ مؤخراً أن ما أصابنا في الأردن بلغة الحوار والخطاب من تشتت الحروف والتهاب أعصاب المعاني قد أفقدنا التوازن والتفاهم معاً.
نعم ، نحن نعاني من سلبيات كثيرة ، مثلما تعاني بقية المجتمعات في هذا الكون ، من فساد ، وفقر وتراجع إقتصادي، وتراجع في القيم ، لكن اسوأ ما أصابنا اليوم هو جفاف اللغة بسوء الظن ، ومهانة المعنى ، وانعدام المنطق ، فمهما تحدثنا فإننا نجد صعوبة في توصيل المعاني الصحيحة التي يعيبها علينا اصحاب الفهم السقيم والرداحون والمطبلون الذين صموا اذانهم ، وفسدت قرائحهم ، فقد انعدم التواصل الحواري والتفاهم بين افراد الاسرة ، وأصبح كل فرد يغني على ليلاه، ولم نعد نسيطر على فلتات اللسان ، وضبط ما يقال من هنا وهناك ، وعجزنا عن ترجمة الخير بالخير ، والمعروف بالمعروف ، والإحسان بالإحسان ، حتى تمكن الجهل منا ، فقست القلوب بالشهوات ، وتشوهت المشاعر التي كنا نترجم بها الاحاسيس بالصمت ، ونسمو بمعراج ارواحنا حتى نلامس السماء بعذرية الأدب، فيا لخسارة الامم التي تبيع إنسانيتها وتاريخ شهدائها وادبها بحبر اسود ، ولا ادري ان كان بالإمكان أن نعود إلى حاضنة رشدنا ، ونعمل على فلترة اللغة مما اصابها ونهذب المعاني وننظم الحروف ، حتى لا يجرحنا الكلام ، فقد نسيت الحروف معانيها ، وتشتت الاجيال بعد ان فقدت الذاكرة بتقليدها الأعمى ، والابتعاد عن القيم ، وأصبحنا قبائل متفرقة في وطن واحد كسرت فيه اقلامنا ، نتناحر ولا نتحاور ، ففي قبضتا رصاصة وسيف ، وحنجرة ولسان ، وصوت طبل يدعوك إلى الحرب بدون جيش ، فيا احبتي واهل مودتي تعالوا بنا إلى كلمة سواء بيننا ، نعيد بها لغة التخاطب والتفاهم لنصل معاً إلى المحبة حتى نكبر ويكبر في معانينا الوطن.