تعرّضتُ للزحلقة قبل فترة، مما أصابني بكدمات في جبهتي « الخارجية « وقدمي اليسرى «يبدو أنني يساري» وانا ما بعرف. وبالطبع تعرضتُ معها لضحكات بعض الكائنات في الشارع.
الطريف أن أحدا لم يحاول مساعدتي على الوقوف. كل ما فعله اولاد الحارة أنهم عبروا عن مشاعرهم وتعاطفهم، واكتفوا بالقول « بسيطة عمّو «، ومرّ رجل سمين واكتفى بقول : « يا ساتر«.
كثّر خيره
ولهذا قمتُ أتّكىء على بعض عافيتي وسرتُ نحو البيت، مبتلعا أطنان الألم الذي احتلّ رأسي وقدمي.
كان ثمة سلخ للجلد ودم يسيل بهدوء تحت البنطال، ولم أُظهر وجعي إمام أهل بيتي، فالموضوع لا يخص أحدا غيري.
والأهم، خوفي من التعليقات، مثل « اكيد ابوكم كان سارح... او وحده ميخذة عقله....
الخ .. الخ وانا مش ناقص تعذيب.
تذكّرتُ طفولتي وأيام « الولدنة «،عندما كنتُ أتدحرج على «جبال الفوسفات» في « الرصيفة». وقبلها في «إربد»، عندما كنا نذهب ـ مع اولاد الحارة، للعب كرة القدم في « السّهْل» وهي أرض فارغة يابسة غير مزروعة. طبعا،الآن لم يعد في»إربد» شيء اسمه « السّهْل «، بعد أن زحفت الحجارة والاسمنت، ومنحت أصحابها مثل باقي المدن بعضا من يباسها وجفافها.
كنتُ طفلا كثير « الوقوع « على الأرض. وكانت اصاباتي متعددة،وملامحي مشوّهة.
لكنني في كل مرة، كنتُ أجدُ رأسي نحو السماء. وهي بداية حالة «السرَحان» التي لازمتني سنين عديدة.
وقبل عام، تعرّضتُ لنفس الموقف وانا اسير بجوار «مول» جديد. كنتُ أرنو بمخيلتي الى عنان السماء، ربما متسائلا ماذا يريد الناس من هذه الدنيا الفانية.
كانت تقول المرحومة أُمّي «انت ولد ما بتتعلم من اللي بجرى إلك، دايما بتقع وبتقوم وبترد تقع «.
بينما كان المرحوم والدي يصرّ أن « كثرة التفكير بتنشّف المخّ ». وانا مخّي ناشف. بس قلبي.. طيّب.
ولهذا، وبعد «زحلقتي الأخيرة»، غيّرتُ مشواري اليومي، وصرتُ أتمشّى كل يوم في الخامسة صباحا.حيث الشوارع خالية والناس تغطّ في نوم عميق.
لاحظتُ بقايا ومخلّفات الكائنات مهملة وملْقاة على اطراف ووسط الشوارع، فأدركتُ أن الناس لا تسير مثلي ولا تنظر الى السماء،ولهذا فهي لا تسقط أرضا، بل تسقط الى الأعلى. مثل موت الأسماك. تموت وظهرها الى أسفل.
يشربون القهوة والشاي وغيرهما ويقذفونها من السيارات ومن «البلكونات». هم، لا يعترفون بالأرض، ولا يرون من الإسفلت الاّ السواد.
هل نحن مجرد أسماك، نهرب دوما من «قنْص» الصيادين. وما أكثرهم.
ربما !!
الدستور