اختلف علماء الاجتماع والادارة واهل المعرفة على ايجاد مفهوم للسياسة؛ لان هذا المفهوم لا ثابت يضبطه ولا نهج محددا يمكنه ان يضبط موازينه؛ فمنهم من اعربها بجمل منفعية وهنالك من عزاها للمنافع المرجوة وآخر من قومها وفق تقديرات قيمية، ولقد اجتهدت في استنباط من مجموع الاراء التي قرأت، ارى ربما يكون انسب على بيان مضمون بنيانه خلاصته تقول « ان السياسة هي تلك القدرة المعرفية والارادة الذاتية التي تستهدف تحقيق اثر عميق وواسع تاثير على دوائر الروابط المحيطة للجسم المركزي والتي عادة ما تشكلها خيوط العلاقات الموضوعية ونماذج المنافع البينية على ان ياتي ذلك ضمن مناهج مؤطرة باطار منهجي واصل يربط ما بين شرعية اتخاذ القرار ومشروعية الإقرار ويعمل وفق رواسي افقية ورأسية والية عمل فردية وجماعية للوصول الى مبتغاه، وكما يستخدم الوسائل الناعمة والفظة لتحقيق الاهداف الكامنة او تجسيد الرؤية الظاهرة التي يريد احقاقها بيت القرار «.
ولان العلاقات هي وعاء محيط تكونها الانطباعات والمناخات السائدة لذا تجدها متغيرة بتغير الاحداث وموازين الضوابط وتدور بفلك الايجابية تارة والسلبية تارة اخرى، من هنا كان من الصعب ايجاد قوانين ثابتة او منهجية محددة للعمل السياسي بحيث تكون قادرة على التعاطي مع حالة السلوك الانساني والتي تعرف بالفيزياء الاجتماعية، وهذا ما يجعل من العلوم السياسية علوما خاصة نسبية تتغير نتائجها بتغير الايقاع العام وتتبدل بتبدل مناخ المحتوى المحيط؛ فمن كان يمكن ان تحسبه في زمن ما يقع في الخانة الموجبة فقد تراه في وقت اخر بالاتجاه المعاكس وهذا ما جعل جملة الاقرار تتشكل من عامل ذاتي وظرف موضوعي الذي غالبا ما يشكل المساحة الاكثر تاثيرا لبيت القرار.
وهنا يكمن التحدي فكلما استطاع العامل الذاتي ان يفرض ذاته على مساحة الظرف الموضوعي المتغير كانت العوائد افضل على بيت القرار، وكلما كان العامل الذاتي متسلحا برؤية تستند لاستراتيجية عمل مقرونة بخطة علمية كانت قدرة العامل الذاتي اقوى في ميزان الاثر والتاثير؛ هذا لان العامل الذاتي هنا يتشكل من ارادة تقوم على الرغبة بالانجاز والقدرة الذاتية للوصول، هذا اضافة الى منهجية علمية للتعاطي مع المحيط.
ان الامر يتطلب الاهتمام بالتفاصيل وفي نوعية اختيار الوسائل والأدوات وكذلك بنوعية فريق عمل لتكون كل هذه الادوات والوسائل الانسب في تحقيق الجملة المراد تحقيقها وهذا لا ياتي الا بناء على تقديرات مبنية من على نسب نسبية وعلوم مبينة على مسوحات ميدانية وتقديرات وجاهية على ان يتم اجراء ذلك وفق الكيفية العلمية ووفق نماذح عمل قادرة على قراءة كيفية التعامل ومضمون الاشتباك واختيار الوسائل المناسبة للتطبيقات وتصميم السياسة الافضل للبناء والاسلم للانجاز وكذلك انتقاء فريق العمل الاقدر للتعاطي مع القراءة الموضوعية السائدة وذلك وفق برنامج عمل يقوم على اولويات التعاطي الخططية وسياسات تقوم على تراكم الانجاز البنائية.
فالانجاز لا تصنعه الاعداد الكمية او توفره الموارد الطبيعية والبشرية؛ فالانجاز لا تصوغه و تصنعه الا السياسة؛ فكلما كانت قراءتها سليمة حملت نتائج سليمة، من هنا كانت السياسة عنوان النجاح ومفتاحه وكانت علومها علوما عميقة يحملها اهل الحكمة وان كان من يصوغها الفلاسفة ويسدي بها اهل الراي كلما توفر لهم منبر القول.
الدستور