منذ أن نطق الإنسان كلمته الأولى وصدى سحرها يتردد في أذنيه وعقله. فهي وسيلته الوحيدة للاتصال والتواصل مع نفسه ومع العالم. فالكلمة الرشيقة الأنيقة لا تخطئ طريقها للأذن الشفيفة. والكلمة الممجوجة والرخيصة لا تجد لها سوى أذن مشروخة. ومع تطور الانسان استدل على المسيقى وتعامل معها في البداية بشكل منفرد إلا أن استدل على سّر علاقتها بالكلمة . وهكذا تنوع الغناء بتنوع البشر وتنوعت الموسيقى بتنوع الألات ولكن سر تعلق الانسان بهما لا زال غير منظور. فالموسيقى والكلمات تحملان تطلعات وهمموم وأماني الشعوب، وتقربان الحضارات من بعضها البعض.
ففي الأمس أحسنت السفارة المصرية في عمان صنعاً حين دعت الجمهور الأردني لأمسية فنية موسيقية مجانية في قصر الثقافة في مدينة الحسين للشباب، إيذاناً بانطلاق حملة الترويج لمصر دولة سياحية عربية. وتقدم القافلة مطربان عريقان استحقا بجدارة أن يكونا سفيرين للأغنية العربية . فناديا مصطفى عرفها الجمهور الأردني بأغنية ( سلامات سلامات ...يا حبيبنا يا بلديات ) منذ أكثر من عقد من السنوات. وكما هي عادتها فلا زالت متمسكة بالكلمة الجميلة واللحن العذب وبطلة أنيقة لا تجرح مشاعر الشيوخ ولا تستفز غرائز المراهقين. غنت لمصر أم الدنيا وغنت للعروبة حاضنتها وغنتت للحب والجمال دون تكلف أو ابتذال. وما إن انتهت حتى صعد للمسرح الفنان الشاب إيمان البحر درويش ليصل الجمهور الأردني الذواّق بما انقطع مع جده سيد الغناء العربي سيد درويش. رحب بالجمهور بنشيد بلادي بلادي لك حبي وفؤادي...واستنطق جده بطلعت يا محلى نورها....وخلي اتكالك عالفتاح . وتنقل بخفة ظل ومرح وحذاقة الفنان الماهر ما بين تراث جده ..تراث الفلاحين في مصر المعطر بعرق الصعيد ..واستدعى بلال ليؤذن على قباب الأقصى:
أذن يا بلال فوق الأقصى وانده للخلق اللى هتنسى
أذن يابلال ...وكبر للصلاة وطمن قلب رسول الله
أنه الاسلام موجود لسه
وأكرم الشهيد الغير معترف به في زمن أغاني السوبر ستار
أيه يعني مات البدن إيه يعني راح الصوت
عايش في جنة عدن هو الشيد بموت
واستذكر محنة غزة مستنهضاً أصحاب الأقلام النظيفة
قول يا قلم .....إياك تخاف لحظة ندم
واصرخ في وعي الناس وافتح لنا الكراس
هذه هي مصر البهية أم طرحة وجلبية ، الزمن شاب وهي شابة هو رايح وهي جاية. مصر الشعراء والأدباء والمفكرين والفنانيين الملتزمين ، كلما شعر البعض أنها غربت ، عادت لشرقها أكثر إشراقاً.
أمسية فنية ناجحة بامتياز تستحقها مصر الكبيرة ويستحقها الجمهور الأردني الذواق الذي يعرف بفطرته قيمة كل جميل. ومع نهاية الحفل سمعت صوتاً يهتف بي وربما في بعض من كان هناك رداً على الغناء الهابط الذي يقدمه شباب يلثغون بأبجدية الكلام وفتيات احترفن استفزاز غرائز الجسد ...بدأً بسوبر ستار وانتهاءً بعقلك طار ..
أعيرونا مطرب نظيف ... مشان الله !!!!