فوجئ كثيرون بتصريحات علنية لرئيس وزراء اليابان الجديد يحذر فيها من أزمة مالية شبيهة بأزمة اليونان، إذا لم يتم خفض العجز في الموازنة والسيطرة على المديونية المتفاقمة.
كنا نظن أن اليابان دولة غنية، يكفي أنها تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. وكنا نتصور أنها تتمتع بفوائض هائلة تفرض عليها تحمل مسؤوليات أكبر في الساحة الدولية تجاه مساعدة الدول الفقيرة.
لم يكن الرأي العام يعلم أن مديونية اليابان تقترب من 200 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على ضخامته، وأن الحكومة المركزية قد تعجز عن خدمة هذا الدين عالي التكاليف إذا لم تجد من يقدم لها المزيد من القروض.
الحكومات اليابانية المتعاقبة أنفقت سلفاً كامل إنتاج اليابان لمدة سنتين قادمتين، الأمر الذي يفسر الأرباح المصطنعة التي تمتعت بها الشركات اليابانية لسنوات طويلة.
لولا عمليات الإنفاق المكثفة للحكومة المركزية الممولة بالدين لكان على الشركات اليابانية أن تمول هذا الإنفاق الحكومي عن طريق الضرائب. لكن الحكومة رضيت أن تمول إنفاقها بالاقتراض بدلاً من الضرائب، أي أنها قدمت دعماً للمساهمين وأصحاب الشركات، وسمحت بتوزيع أرباح غير حقيقية، بل ممولة من الديون الحكومية.
المفروض أن القطاع الصناعي الياباني العملاق هو الذي يموّل الخزينة اليابانية، لا أن يكون عالة عليها، فلا يدفع لها الضرائب اللازمة لتغطية نفقات الموازنة.
أزمة اليونان كانت بمثابة الإنذار المبكر لجميع حكومات العالم، غنيها قبل فقيرها، فهي لا تستطيع أن تعيش طويلاً على الديون، ولا بد من العودة إلى حالة من التوازن، فالديون قد تشجع النمو وتزيد الأرباح، ولكن هناك ثمناً لا بد من دفعه، وهو ثمن باهظ قد يودي بجميع المكاسب المؤقتة التي تحققت في ظل الاستدانة.
إذا لم تستجب اليابان وأميركا وايطاليا واسبانيا وايرلندا للإنذار الذي صدر عن اليونان، فلن يكون مفاجئاً أن تلجأ هذه الدول إلى صندوق النقد الدولي وتخضع لبرامج تصحيح يضعها لها الصندوق كما كان يفعل مع دول العالم الثالث التي تورطت بالمديونية ثم عجزت عن خدمتها.
(الرأي)