تلفزيون الواقع للهروب من الواقع .. ومأسسة التلصص!
حلمي الأسمر
23-06-2007 03:00 AM
يرى البعض ان الهدف الاساس من تلفزيون الواقع هو اغواء العموم بالتفاهة والايحاء لهم بأنها تفعل العكس، ويبدو ان هذه هي فلسفتها ووظيفتها الاولى، التي يعترف بها ضمنا مبتكر البرنامج الاشهر في هذا المجال »بيج بروذر« اي »الاخ الاكبر« الذي لفت انتباه مئات الملايين من المشاهدين حول العالم، يقول جون دو مول صاحب الفكرة الجهنمية التي يصعب احصاء ما حصدته من ارباح: »لقد ابتكرنا صنفا جديدا »من الابطال!« ورأينا بوضوح كيف ان الناس العاديين قد يكونون شخصيات مهمة، وان جارك في العتبة الذي لا تلقي له بالا يمكنه ان يدهشك«!!الباحث الفرنسي في علوم الاتصال دانيل بونو يرى ان ميكانيكية التعامل مع المشهد مختلفة عنها تماما عنها مع النص المكتوب، فان كانت مع الثاني تفاعلية يقظة فهي مع الاول استسلامية كسلى، فامام الشاشة يميل الانسان للارتخاء، مما يفسر الشعور اللذيذ بالنعاس وكأنما هو دخول في الحلم!
بدأت الموضة في البلاد العربية ببرنامج » عالهوا سوا« ثم »ستار اكاديمي« ثم تتالت الاختراعات، من ماكس فاكتور (قال اكسير النجاح قال!) إلى عيش سفاري وسوى ذلك من ابداعات، ويبدو انها ليست سوى البداية لموجة متدفقة من تلفزيون الواقع، كما هو الحال في القنوات الاخبارية، والموسيقية.
بعض المختصين في اقتصاد الاعلام يقولون ان القنوات هي الرابحة، اذ ارتاحت من الانفاق المسرف على اعداد البرامج وتطويرها، وقلصت نفقاتها، واكتفت بمنزل وكاميرات ومجموعة نائمين، بينما تنهال الاتصالات والمكالمات محققة ارباحا خيالية، الامر الذي قد يغري قنوات محافظة بانتاج برامج مشابهة تحت اسماء مستعارة للفوز بحصة من الكعكة!
على الصعيد الاجتماعي، من الواضح ان تلفزيون الواقع سبب ازمة اجتماعية واخلاقية داخل البيت العربي حيث يعارض الاباء والامهات مشاهدة ابنائهم لهذه البرامج على اعتبار انها تخطت خطوط الحياء الاجتماعي وتدعو للاباحية، بينما يرى بعض الابناء والفتيات ان البرنامج مسل وبه اثارة وتشويق!
احد علماء الاجتماع يرى ان برنامج »ستار اكاديمي« مثلا يهدف الى ثلاثة اشياء سلبية بالدرجة الاولى: الاول كسر الحياء لدى شبابنا وشاباتنا، والثاني الدعوة لتغيير الثوابت للفتاة والشاب حيث يجعل الحرام حلالا في نظر هولاء الشباب ويغري المراهقين بالتشويق والاثارة على حساب الثوابت الدينية والاجتماعية، اما الامر الثالث فهو رسالة لتعميق الحياة الغربية في سلوك ابنائنا وتحويل نمط حياتهم الى النمط الغربي.
باحث آخر يقول ان الظاهرة ولدت في العالم الغربي منذ اربعة اعوام، حيث يبحث الناس في المجتمع الغربي عموما والشباب خصوصا عن امور جديدة ومميزة، لأنه مجتمع تسهل فيه كل الامور. وعبر هذا الامر يحاولون دفع الشباب نحو تحديات جديدة. فتوجهوا الى التقنية الجديدة اي نقل كيفية عيش الشباب سوية لما يثيره ذلك من فضول لدى الناس الذين يحبون فكرة »التلصص« ومعرفة حميميات الغير، وقد جاءت هذه البرامج في الغرب نتيجة تطور مستوى اجتماعي ونفسي ونوعية حياة وهو أمر موجود في ثقافتهم وحياتهم اليومية.
اما في المجتمع الشرقي، فالفكرة مستوردة من »فوق!« اهم ما في المشهد كله، ان استنساخ موضة تلفزيون الواقع عربيا، ربما جاء لصرف الناس عن واقعهم البائس، المليء بمشاهد الخذلان والقهر والاستلاب، وتعذيب المشاهدين باخبار المسؤولين الملهمين، التي تبثها التلفزيونات الرسمية، فضلا عن الهدف »الاسمى« في تحقيق ربح فاحش بأقل كلفة ممكنة، ولهذا لقيت رواجا منقطع النظير، لا يمكن التصدي له بالمواعظ والنصائح المخلصة!
al-asmar@mktoob.com