على الرغم من أنه لا يمكن التكهن تماماً بما ستؤول اليه الأمور وما تأثير ذلك على شعوبنا العربية والإسلامية، لكنه من المؤكد أن انتصار طالبان سيعطي دفعةً مشجعةً لكثيرٍ من قوى التطرف في العالم، وسينظرون الى انتصار طالبان على أنه انتصار للمجاهدين الصابرين، وأن فتح كابُل كان فتحاً مبيناً، وأن أمريكا التي تكرهها غالبية الشعوب العربية والإسلامية بسبب وقوفها ودعمها لعدوّهم اللدود اسرائيل قد انهزمت أمام جحافل مقاتلي طالبان، وأن أنف أمريكا تمرغ بإسفلت مدرجات مطار كابُل، وهذا ما عكسه صور طائرات الهيلوكابتر التي تُقلع من مطار كابُل محملةً بمن استطاع الى الهرب سبيلاً ومُذكرةً بما حلَّ بجنود المارينز في فيتنام في مشهدٍ مطابقاً تماماً.
المتابع للأحداث وبعضها ما تبثه شاشات التلفاز والتصريحات المُقلة لقادة حركة طالبان تدفعنا للتنبؤ أن " مشمشية " الحكم المدني الديمقراطي في أفغانستان رغم ما شابهُ من فسادٍ وسوء إدارة، سيبقى ذكرى جميلة لِنساء أفغانستان بعد أن تم إلغاء البرقع وفُتحت المدارس والجامعات، وتبوأت المرأة مناصب برلمانية وإدارية، وانتعشت الثقافة والفن نسبياً بمختلف ألوانه، مقارنةً مع ما كان الحال عليه في عهد طالبان قبل عشرين عاماً ونيّف، عندما استولى المُفتي على دور القاضي، وتم حبس النساء داخل البيوت وقطعت الأيدي وطبقت عقوبة الجلد، وبالرغم من أن تصريحات طالبان تؤكد أنها لن تكرر نفسها وستتعلم من اخطاء الماضي وستسمح للنساء بالعمل والتعليم، إلا أنه من المرجح أن حركة طالبان التي خرجت من رحم الاصولية السلفية، والتي تحالفت مع تنظيم القاعدة لن تنقلب بين ليلة وضحاها الى حركة نهضوية تسعى لتأسيس دولة ديمقراطية ويحكمها القانون والنظام، والأيام القادمة كفيلة بإجلاء الحقيقة المرجحة وملخصها خضوع ما هو ممنوع أو مجرّم بحكم القانون الى ما هو حلالٌ أم حرام، واعطاء نموذج اسلام سياسي جديد فاشل وعاجز ومسيء لجوهر الدين.
سقوط كابُل في أيدي حركة طالبان كآخر متواليات السقوط الدراماتيكي المريب، سيكون العالم أمام مشهدٍ سرياليٍّ جديد، ومن أبرز ملامحه تراجع هيبة أمريكا ومن معها وفشلهم الذريع في إنشاء دولة حديثة وديمقراطية وبعد أن أنفقت مئات المليارات وفقدت الآلاف من جنودها، وهم يؤكدون فشلهم بالصوت والصورة كل يوم على أرض مطار كابُل.
العالم في حالة ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع في أفغانستان ، إلا أن المشهد بالتأكيد سيكون غير مُشرق، فالحقبة التي ظلت أفغانستان تنعم بحرية واستقرار نسبي برعاية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي حاولوا من خلالها خلق نموذج ديمقراطي على تربة غير قابلة لنموها وتجذرها، ستكون كسحابة صيف مرّت سريعاً على الأفغان، وسيذكرونها بكثير من الوجد والشوق أمام ما ينتظرهم من نظام شمولي وأصولي متطرف، لن يلبث إلا أن يُشعل نار الحرب الأهلية من جديد.