شاهبندر التجار الأردنيين يبكي على باخرة أبيه التي غرقت في بحر غزة بالخمسينيات
23-06-2007 03:00 AM
حيدر مراد يستذكر أيام العسر واليسر .. تصوير : عبد الله ايوب - ما الذي يبكي شخصا في السابعة والستين من عمره ، ويجعله يستذكر قصة مضى عليها اكثر من نصف قرن بعدما غرقت باخرة ابيه المحملة بكل ما يملك من مال مسال على شكل قمح وعدس وارز وحمص وشعير وتمر في بحر غزة ..
وما الذي يجعل تاجرا يحظى بهذه الشعبية ب المونه والعلاقات الاخوية في وسط مليء ب الشاهبندرية الكبار الذين اختاروه ومازالوا رئيسا لهم وان كان يقول الى الرأي انه سيعتزل العمل في هذا الاطار بعد انتهاء مدة المجلس الحالي لغرفة التجارة ..
الحاج حيدر مراد عميد التجار ورئيس غرفتهم حاورته الرأي في ذكريات وقصص تنشر لاول مرة :
اين ولدت وماذا عن ذكريات الامس القريب !!
مراد : ولدت في بيت اهلي.. بغزة وعلى يد الداية زهرة البلبيسي يوم الجمعة شهر تشرين الثاني عام 1940.
ماذا كان يعمل والدك وقتذاك؟
مراد : تاجر.. بين الاردن وبيروت وغزة.. كان يجلب الزيت والتمروالصابون والحبوب من الاردن والضفة ، مثل العدس وتحديدا من اربد.
اين درست الابتدائية ؟
مراد : درست في غزة لغاية التوجيهي، وحصلت على شهادة الثانوية من مصر.
والمرحلة الجامعية ؟
مراد : من جامعة القاهرة.. تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد عام 1962.
نريد ان نسأل عن قانون غرفة التجارة الجديد ؟
مراد : نحن حاليا في طورعمل دراسة للقانون لتحقيق العدالة ما بين المحافظات ، اذ لاشك بأنها تشكل ثقل الاعمال التجارية، خصوصا وان القانون القديم يحتوي على بعض الشوائب.
هل ستترشح مجددا لرئاسة الغرفة؟
مراد : لن اترشح.. هذه آخر دورة ، خلص.. ما بدي اترشح .
ما السبب ؟
مراد : لأعطي فرصة للناس إللي جايين بعدنا .
متى تزوجت ؟
مراد : 1963 ، وفي عام 1964 ولد ابني البكر، عيسى.. ومن ثم يوسف مواليد عام 1966 ، وعلي عمره حاليا ثلاثون عاما ، وثلاث بنات ، وجميعهم ولدوا بعمان.
هل يعمل اولادك الثلاثة معك
مراد : نعم في نفس الشركة ، وهم الذين حاليا يمسكون العمل.. كوني متفرغا للغرفة.
هل تزوجت على الطريقة التقليدية ؟
مراد : نعم.. تقليدية ، خطبها لي والدي ، وهي من عائلة اللولو الغزية .
هل فكرت ان تتزوج ثانية ؟
مراد : لا.. ابدا ، انا مؤمن بان الزوجة التي اخلصت وتعبت وسهرت طوال الحياة ، والتي كانت معي على السراء والضراء لا يجب ان اجازيها بان اتزوج عليها ، وعلي ان احافظ عليها في قمة النجاح.
كيف اصبحت من اكبر تجار البلد .. هل بنيت مهنتك على خلفية والدك ، ام هو حب شخصي لهذه المهنة؟
مراد : كما اسلفت.. الوالد كان من التجار المشهورين ، وعندما بدأت اعمل بالتجارة كانت على خلفية والدي رحمه الله ، وقد تعلمت اصول هذه المهنة منه ، وعملت معه لغاية وفاته عام 1984 خصوصا وانه ابنه الاكبر، وكان رحمه الله يعلمنا ان التجارة هي الصدق والاخلاص في القول والعمل ، وكان قد تعرض لأزمات خلال عمله ، واذكر انه كان يقول لي اصبر ، لانه كان يؤمن بأن الله سبحانه سيعوضه ، ويسترجع كل ما فاته من خسارة .. فهو لم ينكث في وعده لاحد.
هل هناك ازمة معينة تعرض لها والدك واثرت عليك ومازالت في ذاكرتك؟
مراد : نعم.. في احد المرات تعرضت باخرة بأكملها للغرق في ميناء غزة ، كانت تتراوح حمولتها بحدود 600 طن.. وكانت محملة من الاردن ولبنان بالبضائع لوالدي.. ولم يكن هناك تأمين على البضائع والبواخر في ذلك الوقت اواخر الخمسينات واذكر انه كانت ترسو السفن بعيدا عن مرسى الميناء ، حيث كان يتم التفريغ والتحميل عبر قوارب صغيرة.. واذكر انه كان من المقرر ان يبدأ تفريغ الحمولة في صباح اليوم التالي لوصول الباخرة ، واثناء تلك الليلة هبت عاصفة قوية جدا تسببت بأنقلاب الباخرة وغرقها مع حمولتها بالكامل.. وهو كل ما كان يملكه والدي، من زيت وصابون وتمر ، وفي حينها قال والدي الحمد لله رب العالمين ، وانني لا اسألك رد القضاء وانما أسألك اللطف فيه .. وذلك عندما ابلغه مختار البحر بغرق بضاعته كلها .. وبدأ حياته بعدها من الصفر ثانية.. (مراد يتأثر.. والدموع تنساب من عينيه).
هل تأثرت حياتك العملية بهذه الحادثة ؟
مراد : كثيرا.. تعلمت منها الصبر عند الشدائد ، واذكر حينها ان والدي قال لي : اننا الآن لا نملك شيئا.. ولن استطع ان نعيش ونأكل كما كنا بالسابق ، اريد منك ان تصبر حتى يفرجها الله علينا ، وهكذا انتقلت حياتي من رغد كبير الى ضنك شديد..
كم استمرت هذه الحالة ؟
مراد : اكثر من خمسة اعوام من الكفاح والصبر حتى تمكّنا من اعادة الامور كما كانت قبل حادث غرق الباخرة وغرق البضائع.. اذ كان والدي يرفض الدين بشكل نهائي خوفا على اموال الناس، واذكر تماما كيف ان والدي ملأ المحل بأكياس من الملح كونه بضاعة رخيصة حتى لا يعتقد الناس انه افلس نهائيا.
كم مرة اديت فريضة الحج ؟
مراد : ست مرات ، كانت اول مرة في السبعينات.
منذ متى ووالدك مستقر في الاردن ؟
مراد : كان استقرارنا منوعا بحكم مهنة والدي ، وفي الستينيات اصبح استقرارنا في الاردن بشكل دائم.
متى آخر مرة زرت غزة ؟
مراد : حديثا.. في السنة الماضية بصحبة وزير الصناعة والتجارة.. وكنت قد غبت عنها اكثر من عشرة اعوام.
كيف كانت مشاعرك حينما وصلت ، بعد هذه الغيبة الطويلة ؟
مراد : حملت وفائي وانتمائي للاردن ، واعتبر نفسي سفيرا له ، لما قدمه هذا البلد من دعم ومساعدة لابناء قطاع غزة.. وكذلك ولائي لمليكي في كل زمان ومكان، الذي اعتبره واجبا لبلدي وقيادتي.
الا تنوي الاقلاع عن التدخين؟
مراد : انا لا ادخن.. يطلب من الزميل عبدالله بعدم التقاط الصور اثناء تدخينه انا ادخن بشكل بسيط.. فقط اليوم ، معارفي واقربائي واصدقائي يعلمون عني بأني لا ادخن !
هل تذكر كيف دخلت غرفة التجارة ؟
مراد : كان والدي رحمه الله يرغب بدخولي لغرفة التجارة ، ولكنه توفى قبل ان يتحقق له ذلك.. ولم يخطر لي ابدا في وقتها السعي نحو عضوية غرفة التجارة ، وبدأت رحلتي مع الغرفة حينما قرأت اعلانا في الصحف عن فتح باب الترشح لعضويتها استعدادا للانتخابات.. فتذكرت رغبة والدي ، وسجلت اسمي بالفعل.. وان كنت اخشى من عدم النجاح في الانتخابات ، خصوصا وانني كنت صغيرا في السن بالنسبة للموجودين من اقطاب التجارة ال عتاعيت . وبعد انتهاء فترة الادلاء بالاصوات ، وبدأ الفرز.. ذهبت الى المنزل واستسلمت لنوم عميق ، لانني لم اكن اتوقع النجاح ، فايقظتني زوجتي بألحاح وهي تقول لي بأن المحافظ يطلبك ، وفوجئت بأنني من اعلى نسب الاصوات.. وكان الفرق بيني وبين الحاج حمدي الطباع تسعة اصوات اذ كان رئيسا للكتلة المنافسة ، وخرجت الصحف بأخبار مفاجئة انتخابات غرفة التجارة ،.. وكان ذلك في عام 1986، وعندما سألتني الصحافة عن سر هذه الثقة الكبيرة ، اجبت :o من يزرع يحصدa.
ما هي المهام التي استلمتها عندما اصبحت عضو غرفة تجارة عمان ؟
مراد : كانت هناك لجنة مجمدة ، اسمها لجنة التحكيم.. فعزمت على استلامها وتفعيلها ، وبالفعل كانت من انشط اللجان حيث استطاعت ان تحل مشاكل كبيرة ، لانني كنت اداوم في اللجنة ساعات طويلة.. ووضعت كل ثقلي بسير العمل فيها ، اذ استطعنا ان نحل مئات القضايا.
كيف هي آلية عمل هذه اللجنة؟
مراد : بداية اعلنت بوقتها في الصحف ان هناك لجنة في الغرفة مهمتها حل قضايا التجارفقط بالسرعة الممكنة ، دون اللجوء الى القضاء.. مستندا على انه التاجر يعلم تماما كيف يحل مشاكل التجار الآخرين، وكانت القضايا التجارية متنوعة تنصب على اختلاف على بضائع او على سلع او على دفع مبالغ مالية ، وانا مازلت لغاية اليوم رئيس لجنة التحكيم ، والحمد لله استطعنا حل مشاكل كانت تأخذ سنوات ، لذلك حققت في الدورة الثانية التي خضتها اعلى الاصوات كل دورة مدتها اربعة اعوام والثالثة والرابعة كذلك اعلى الاصوات.
متى اصبحت رئيسا للغرفة ؟
مراد : أنا مؤمن بالتدرج.. ففي الدورة الاولى كنت عضوا ، وفي الثانية كنت نائبا للرئيس ، الثالثة والرابعة رئيسا.
هل تسيّر امور الغرفة واللجنة على الطريقة القديمة الكلاسيكية ، ام تتبع المدارس الحديثة في ادارة دفة الامور ؟
مراد : انا اضع نصب عيني دوما ان لا يتم خلط السياسة مع التجارة ، والحقيقة كان التجار دائما على مستوى المسؤولية في الانضباط والالتزام.. وعليهم ان ينتبهوا دوما لعملهم وتجارتهم ، لان السياسية والتجارة لا يجتمعان ، لذلك اعتمد الدبلوماسية ومصلحة التاجر والبلد ، بأتجاه الاستقرار السياسي والسمعة الطيبة للتجارة والتجار في الاردن.
متى تنتهي الدورة الحالية ؟
مراد : حاليا تم التمديد لها لحين البت بالقانون الجديد الموجود لدى مجلس النواب.
كيف كانت تجربتك في مجلس الاعيان؟
مراد : اكرمني جلالة الملك بعضوية مجلس الاعيان.. ومنحني وسام الاستقلال الاقتصادي.
كيف دخلت في تجارة oالكهربائياتa تحديدا ، علما ان والدك كان تاجر حبوب بالدرجة الاساس ؟
مراد : اخي احمد درس تصليح التلفزيونات والكهربائيات ، فبدأنا بمحل بسيط تصليح وبيع تلفزيونات.. وهكذا توسعنا تدريجيا حتى اصبحت شركتنا من اكبر شركات البلد في هذا القطاع ، ونحن حاليا وكلاء لشركات كبيرة ومهمة ، وبنفس الوقت دخلنا في مجال الصناعة ، وحاليا لدينا في مدينة عمان احدى عشر فرعا.. ولدينا وكلاء في المحافظات.
ماهو سر النجاح الكبير في هذا المجال ؟
مراد : هذه التجارة تتطلب تقديم خدمات ما بعد البيع ، وأنا ركزت على اهمية هذا الموضوع .. لذلك كنا نلبي جميع الطلبات التي تورد الينا للصيانة.
هل تجد فائدة اقتصادية حقيقية من ايجاد مناطق اقتصادية ؟
مراد : انا فخور جدا بسياسةجلالة الملك عبد الله الثاني بالشأن الاقتصادي ، وهو الامر الذي جلب للاردن سمعة كبيرة واستثمارات في كل المجالات ، من صناعة وتكنولوجيا معلومات وسياحة.. وهذا ما ألمسه بعيني عندما اسافر، ومقدار الاحترام لموقع الاردن اقتصاديا ، واثني على سعي جلالته في ايجاد مناطق تنموية في كل انحاء المملكة ، والتي من خلالها ستتوفر فرص عمل وزيادة الدخول ، اضافة الى توزيع الاعمال والوظائف على محافظات المملكة ، وحتى لا يبقى العمل متركزا في عمان فقط.
يقول البعض ، انك سخرت مكانك في الغرفة لصالح مصالحك وشركتك من خلال جولاتك مع جلالة الملك.. اكثر مما هي لصالح القطاع الاقتصادي ، هل هذا صحيح ؟
مراد : انا متخصص بالكهربائيات فقط ، ولدي وكالات عالمية لشركتنا.. وعلية فأنني لست بحاجة ان اسخر رئاستي لغرفة التجارة لصالح عملي التجاري الخاص ، اضافة الى انه لا يوجد لي شراكة مع اي شخص ، او مع اي مستثمر.. وأنا اسير على مبدأ عدم اقحام الشركة بأي عمل يخص الغرفة ، ومكتفي بما انعم الله علي ، وهدفي هو خدمة استثمارات الوطن.
هل تعتبر نفسك شخصا كريما ؟
مراد : نعم..
بعيدا عن العمل.. هل لديك نشاطات اخرى ؟
مراد : نعم.. اساهم بأعمال خيرية ، وفي الصندوق الهاشمي كوني عضوا في اللجنة العليا فيه، حيث نجمع الاموال ونوزعها بشهر رمضان ، انا مؤمن تماما بضرورة عمل الخير ، وان كل شخص يساعد الاخرين يعوضه سبحانه وتعالى عن كل قرش دفعه وزيادة ، ويبارك بالارباح.
هل تمارس الرياضة ؟
مراد : امارس السباحة يوميا في الصباح الباكر في مسبح فندق الماريوت.
هل تقرأ ؟
مراد : نعم.. أقرأ الصحف جمعيها عند الساعة السادسة صباحا ، فأنا اصحو قبل الخامسة يوميا ، ومن الطبيعي انني اتابع الاخبار الاقتصادية بشكل دقيق.
هل تغضب اذا لم تر صورتك في صحيفة اخذت رأيك بشأن اقتصادي ما ؟
مراد : لا.. لايهمني نهائيا.
هل تتابع التلفزيون ؟
مراد : اتابع اخبار التلفزيون الاردني وبعض الفضائيات.
هل تتابع مسلسلات أو اغاني؟
مراد : لا.. لايوجد لدي وقت.
هل تسمع لمطرب معين ؟
مراد : بعد تردد.. فريد الاطرش ، تعجبني القصائد بالذات..
هل تقرض الشعر ؟
مراد : لا.. ابدا.
ما هي اكلتك المفضلة ؟
مراد : تقريبا آكل كل شيء.. السمك والمنسف.. احب السمك جدا.
هل تحب الشطة و الدقة الغزاوية ؟
مراد : من وقت طويل وانا اعاني من القرحة.. لذلك لا احبها.
فانا آوي الساعة الحادية عشرة.. الى فراشي كحد اقصى ، واصحو عادة عند الخامسة صباحا.
بماذا يكون ذهنك مشغولا.. بالعمل أم بالعائلة ؟
مراد : افكر دائما بالأعداد للوفود التي تأتي الى الغرفة باستمرار من الخارج ، لذلك دائما افكر بكيفية انجاح مهمة الوفد.. وكيفية تسمية نظرائهم والتحضير للاجتماعات، ومتابعة توقيع الاتفاقيات.
ما هو الشيء الذي تحقق وافرحك من القلب ؟
مراد : مولد احفادي.. مولد حفيدي الاول هيثم اشعرني بالفرح الغامر ، وكذلك مولد حفيدي التوأم من ابني عيسى(حيدر ومي ) بعد انتظار اثنى عشرعاما.