"ضانا" محمية طبيعية ومنجم للنحاس
د. بيتي السقرات
25-08-2021 09:12 AM
في كل مرة كان يقودني الشوق للذهاب لمحافظتي الغالية الطفيلة وأثناء قيادتي لمركبتي عبر الطريق الصحراوي الطويل ، يكون الفكر دوما مشغولا و تتضارب الأفكار في ذهني و أسأل نفسي هل اختلفت المحافظة عما كانت عليه منذ عهدي بها في أول زيارة نهاية الثمانينيات؟! ومنذ ذلك الحين كنت اتسائل: هل سيأتي ذلك اليوم الذي ستنال فيه ما تستحقه من اهتمام ورعاية ؟! فهي التي سُكِنت بالهموم من جميع الجوانب ، ما بين هم البطالة فقد أصبحت في عام ٢٠٢٠ الأعلى ضمن محافظات المملكة بنسبة ٢٨.٢% ،إلى هم معاناة مناطق وتجمعات سكنية عدة فيها من تردي البنية التحتية للطرقات الداخلية والرئيسة، وما نتج من ضريبة بعدها الجغرافي عن العاصمة من تناقص لامتيازاتها وحقوقها في الخدمات التعليمية والصحية وهي التي تمتاز بوجود الموارد الطبيعية بكثرة فيها وقد رافق ذلك تهميش أبنائها ومن ولد من رحمها و تحصلوا على مستويات تعليمية عالية من المساهمة في تطور المحافظة.
الاستثمار في الثروات الطبيعية عمل وطني يهدف إلى رفد الخزينة بعوائد مالية و إحداث تنمية في أماكن وجود الثروات الطبيعية وربح للشركة التي ستقوم بالاستثمار. ومن أسمى غايات الاستثمار أن يكون لإحداث تنمية في محافظات الأطراف البعيدة عن العاصمة ولاستحداث فرص عمل لأبناء تلك المحافظات و تشجيع الهجرة العكسية من العاصمة المكتظة إلى المحافظات التواقة لعودة أبنائها إلى أحضانها.
والطفيلة على وجه الخصوص- الغنية بالثروات الطبيعية- "كالفوسفات والبوزلانا وصناعة الأسمنت والنحاس والمنغنيز" تحتاج لأن تستغل ثرواتها لإنعاش الاقتصاد فيها وإيجاد حلول للعديد من مشاكل المحافظة و قاطنيها.
وبما أن الحديث عن ضانا وصل لحالة الجدل المحتدم والاختلاف الذي وصل لحالة خلافية لا داع لها ، وعليه فإنني أود التذكير بأنها المحمية الطبيعية الأكبر في المملكة وتمتد على سفوح عدد من الجبال التي يتجاوز ارتفاعها ١٥٠٠ مترا عن سطح البحر وبين جبالها توجد تلك الوديان التي لا وصف لها سوى أنها لوحة أبدعها الخالق وتتميز ضانا بأقاليمها الحيوية الجغرافية الأربعة وهي الأكثر تنوعا من حيث الأنظمة البيئية والأنماط النباتية ففيها ما تبقى من غابات السرو المعمرة، ضانا الفريدة الغريبة الغنية بمئات الأنواع من النباتات والتي يندر تواجد بعضها في أماكن أخرى ومئات الأنواع من الحيوانات ما بين فقاري ، لا فقاري ، برمائيات ، زواحف وطيور.
ضانا المحمية الطبيعية هي ذاتها منجم النحاس الذي تم استكشافه من قبل زملائنا في سلطة المصادر الطبيعية التي ألغيت وهمش دور من بحث واجتهد فيها.
وما كشفته وزارة الطاقة عن الدراسات التي أجرتها سلطة المصادر الطبيعية سابقا بمشاركة عدد من الشركات الأجنبية تم تقدير كميات النحاس فيها بملايين الأطنان في فنان ٢٠ مليون طن وفي خربة النحاس ٢٥ مليون طن و تجدر الإشارة إلى مذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة عام ٢٠١٦ مع إحدى الشركات المحلية والتي استعانت بشركة أجنبية متخصصة أحدثت نتائج الدراسات المعلنة نقلة نوعية في النظرة إلى خامات النحاس في ضانا حيث أشارت إلى أرقام مؤملة من كميات وتراكيز. ومما يعني حتمية الوصول إلى قرار إكمال الدراسات المتعلقة بالجدوى الاقتصادية لخامات النحاس في ضانا.
وهنا يقف المرء حائرا بين النظر إلى محمية طبيعية كبيرة ومتميزة لم تسوق عالميا بالشكل المطلوب ولم تخدم أبناء المنطقة بالصورة الحقة ولم تدعم المحافظة اقتصاديا ولم توفر إلا اليسير اليسير من فرص العمل لأبنائها لكن خسارة جزء منها ليس بالأمر الهين إلا إذا تم التوافق على تعويض مساحة مناسبة تضمن ديمومة واستمرارية المحمية و بين منجم للنحاس نأمل أن يساهم بانعاش الاقتصاد و الحد من البطالة من خلال تشغيل الأيدي العاملة و العمل على ازدهار المنطقة و تنميتها وفق إدارة حصيفة تضمن استمرارية وديمومة هذا المشروع.
و بين مشاكل متعلقة بخسارة جزء من محمية ومشاكل بيئية قد تلحق بالمنطقة وخاصة بما يتعلق بالإضرار بصحة الأفراد بالإضافة لما قد تتعرض له المحمية من جراء عمليات التعدين و ما يرافقها من نواتج وبين النظر بعين الاعتبار لأبناء المحافظة الذين أصبحوا يعيشون على بصيص أمل يخرجهم مما هم فيه من إحباط جراء ازدياد معدلات نسب البطالة وغياب الحلول الحكومية فأي بارقة أمل تلوح في الأفق تكون هي حديث الساعة بالنسبة لهم و يسعون جاهدين لها ولتحقيقها.
بناء على ما سبق فإن القرار بالسير بالاستثمار بالتعدين من عدمه يجب أن يكون مبنيا على دراسات الجدوى الاقتصادية ، دراسات تقييم الأثر البيئي والصحي والمجتمعي و تحديد العائد من الاستثمار لتحقيق تنمية مستدامة في المحافظة من تحسين البنية التحتية و تشغيل الأيادي العامة و تخفيض معدلات نسب البطالةورفد خزينة الدولة وفق استثمار أمثل تشارك به مؤسسات المجتمع المحلي في المحافظة وخبرات فنية أردنية والاستعانة بشركات أجنبية استثمارية إن لزم الأمر وفق خطة زمنية قابلة للقياس والتقييم.
لم تكن محافظة الطفيلة يوما إلا في صف الوطن و كسيدة أفخر بأنني إبنة هذه المحافظة التي أحلم يوما بأن تكون سفيرة للاقتصاد الأردني على مستوى العالم إن كانت بمحميتها وجمال طبيعتها أو بثرواتها الطبيعية. و لطالما سمعت هذه الكلمات التي يتغنى كاتبها بضانا و يخبرنا أنها كالغيمة بلا مطر ،
لضانا عتاب الغيومِ ..
الغريبِ على متن قافلة لا تعودُ
يسافر في سقفها
كلما جنّ ليلٌ تعلق قمرا على تلها ثم غاب
وتعاتبنا ضانا وتأمل كما نأمل جميعا أن تكون ثرواتها كلها ذات جدوى.