قانون الأحزاب المنتظر وأزمة كثرة العدد وغياب التنوع !
د. محمد ناجي عمايرة
24-08-2021 11:28 AM
تبدو جهود اللجنة الملكية لتطوير المنظومة السياسية مركزة على وضع قانون جديد للأحزاب السياسية ومنطلقة من مسألة كثرة الأحزاب في بلدنا، وقد بينت الجهات المختصة أنها تبلغ تسعة وأربعين حزباً!!
هذا العدد الكبير يثير تساؤلات مشروعة عن فهمنا للحزب السياسي والقانون الذي يسمح بهذا التعدد الحزبي والاشتراطات التي تحيط بعملية تشكيل الأحزاب من جانب، وعن مدى حاجة البلاد إلى هذا الكم الكبير من الأحزاب في ظل تواضع عدد السكان وطبيعة المجتمع والدولة من جانب آخر، وسط تجاذب واسع حول الحريات السياسية واللغط الذي يثار بين حين وآخر عن ضرورة العمل الحزبي، أو بالعكس عن ممانعة الحكومات في نمو العمل الحزبي وتقليص دور الأحزاب وناهيك بمستوى مساهمة الأحزاب الأردنية في الحياة السياسية والعامة.
ومن المعروف أن تشكيل الأحزاب يتصل بالفكر السياسي وبالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة كحلول لمشكلات المجتمع وللتحديات الكبرى التي تواجه الدولة. وتتمحور المناقشات هنا بين أحزاب الايديولوجيا والأحزاب البرامجية ناهيك بأفكار جديدة لإيجاد أحزاب بيئية أو جهوية أو غيرها أو أحزاب تنبثق عن تكتلات من أعضاء المجلس النيابي.
ولا تتعدى الأيديولوجيات السائدة في منطقتنا والوطن العربي ثلاثة أو أربعة إتجاهات أيديولوجية كبرى بينها: الوطنية والقومية والدينية واليسارية وهناك تفريعات على كل منها تجمع بين اثنتين وأكثر من هذه الايديولوجيات الاساسية.
وحين نستعرض أسماء الأحزاب الاردنية المسجلة رسمياً نجدها تتراوح بين عدد لا يزيد عن هذه الايديولوجيات. وهذا يعني أن التشابه الفكري والنظري قائم بين أكثر هذه التنظيمات، إلى جانب أن أكثرها يفتقر إلى العدد المعقول من الأعضاء الذين يمكن أن ينهضوا بدورهم ويفعلوا عملهم السياسي لخدمة المجتمع ومواجهة التحديات المختلفة التي تعترض مسيرة البلاد.
وقد لفتت ظاهرة كثرة الأحزاب السياسية في البلاد نظر الراحل الكبير الملك الحسين طيب الله ثراه فقال فيها "أن كثرة الزحام تعيق الحركة "! ودعا الأحزاب ذات الايديولوجيا المتشابهة سياسياً واجتماعياً إلى التوحد لتقليص العدد، لكن تلك التشكيلات الحزبية الوليدة في أواسط التسعينات التي إجتهدت إلى التوحد لم تلبث أن عادت إلى الانقسام إلى أعداد غير متوقعة.
كما أن جلالة الملك عبد الله الثاني قد نبه إلى هذه المسألة عدة مرات، ودعا إلى إيجاد تيارات سياسية ثلاثة كبرى: يمين ووسط ويسار، لتقليص عدد الأحزاب من جهة، ولكي تخوض الانتخابات وفقاً للقائمة الحزبية، ولعل فرصها بالفوز بمقاعد المجلس النيابي تصبح أفضل.
وهذا موجود في دول عديدة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وغيرها.
أما عندنا فلسنا في حاجة إلى هذا العدد الضخم ويكفي وجود بضعة أحزاب لتكون لدينا حياة حزبية نشطة ومؤثرة وتعبر عن تعددية المجتمع الأردني كافة.
لهذا نتطلع إلى أن يكون القانون الجديد مساهماً أساسيا في تخفيض العدد وفي تعزيز دور الأحزاب وشمول الحياة الحزبية للقطاع الشبابي الواسع والمهم، بالسماح بالنشاط الحزبي في الجامعات والمعاهد العلمية. وحماية حق الانضمام إلى الأحزاب دون مضايقات من أية جهة جاءت.
يبقى أن نشير إلى أهمية تيسير جميع السبل التي تعظم دور العمل الحزبي وتفعل نشاطات الأحزاب وحرية العمل السياسي في إطار كفالة تامة للحريات العامة. كما أن هناك حاجة إلى ربط الأحزاب بهيئة مستقلة تشرف على ما يتصل بها من ترخيص ودعم ومتابعة إدارية وتنفيذ القانون. وقد تكون الهيئة المستقلة للانتخاب إطاراً مناسباً في حالة تكليفها بالمهمة مع تغيير مسماها لتصبح الهيئة المستقلة للانتخاب وشؤون الأحزاب.