الأردن من خلال رؤيته التنموية الاستراتيجية، يستطيع ان يغيّر المعادلة، بتوفير أرضاً جديدة للفرص انطلاقاً من عوامل الجذب الطبيعية التي يتمتع بها، لا سيما الموقع الاستراتيجي الفريد بين اسيا واوروبا وافريقيا، واتفاقيات التجارة الحرة مع كبرى الاقتصاديات العالمية، وكذلك الثروات الطبيعية، وعوامل الجذب السياحي، إضافة إلى الإرث الحضاري والثقافي، وجميعها مزايا «استثنائية» وفريدة، تستقطب العقول ليس فقط الأردنية، بل من مختلف دول العالم لخلق مستقبل التنمية والازدهار والابتكار.
يشــكل جذب الاســتثمارات المحليــة والاجنبيــة خيــاراً اســتراتيجياً للأردن لمــا لهــا مــن أهميــة قصــوى فــي تحقيــق توجهات الدولة التنمويــة لزيادة الاستثمارات العامة بالتركيز على عدد من القطاعات الواعدة التي تمثل ركيزة أساسية لدفع النمو في المرحلة المقبلة، مثل قطاعات الخدمات الصحية والمستلزمات الطبية، والتعليم، والزراعة، والصناعات الغذائية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعدين والصناعات التحويلية، وبما يعكس الأولويات التي فرضتها أزمة كورونا، والتي يجب ان تكون محل الاعتبار عند وضع الإطار العام لخطة الدولة لعام 2021- 2023.
فالخطط الاقتصادية في برنامج الإصلاح يجب ان تكون اهدافها في إطار تفعيل ركائز النمو الاحتوائي، وترسيخ الـمشاركة الـمجتمعية وتكافؤ الفرص، اضافة للتركيز على مجال استخدامات الطاقة ومواصلة جهود خفض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتوسع في استخدام التكنولوجيا، في إطار مفهوم الاقتصاد الأخضر والمشروعات صديقة البيئة، إلى جانب تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير المناطق السياحية والثقافية، من أجل بناء أسس أكثر قوة وصلابة لتحقيق النمو الاقتصادي طويل الأمد القائم على تشجيع إقامة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
فالقطاع الخاص يشكل دوراً أساسياً في تحويل الأردن إلى اقتصاد يتمتع بالتنوع والحيوية يمكنها من خلق فرص العمل، حيث استمرار النمو الاقتصادي يتطلب زيادة استثمارات القطاع الخاص، وإنتاجية الشركات، وتنويع الأنشطة الاقتصادية. ولتحسين مستوى أداء القطاع الخاص، ينبغي تبني إصلاحات جريئة في السياسات التشريعية والمؤسسية والإجرائية، ولأدوات مالية ابتكارية تعمل على ضخ سيولة في الاقتصاد من خلال البنوك والصناديق والاستثمارات التي من شأنها مساعدة القطاع الخاص على مواجهة التحديات الراهنة والتتشجيع على المنافسة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
إن إنشـاء شركة إدارة الإستثمارات الحكومية يشــكل تقدمــاً مهمــاً في إطار استراتيجية الدولة في تنويـع النشـاط الاقتصـادي في إطــار إداري قائــم علــى قواعــد تقويــة مؤسسـات الدولة العامـة التـي تشـكل ركيزة أساسـية فـي ضمـان اسـتثمار ثـروات المـوارد الطبيعيـة فـي الأصـول الإنتاجيــة، وإدارة وتنمية القطاعات الرئيسية، لكن تتطلب ضـرورة توسـيع صلاحياتها ومــواردها الماليـة في إطــار مالــي ســليم قائم علــى أســاس قاعــدة ماليـة عامـة ذات اهـداف محـددة ودرجـة مـن المرونــة، ورفدها بموارد بشرية من ذوي المهارات العالية الذين يمتلكون خبرات فنية ومالية وادارية وتعاقدية وقدرة عالية على تحليل المخاطر، لتكون الذراع الاستثماري الفعال للحكومة، القادرة على دراسة وتسـويق المشـاريع الكبـرى والإسـتراتيجية ومتابعـة تنفيـذها بالشراكة مع القطاع الخاص، حيث يتحقق التكامل بين التنفيذ والاشراف ورسم السياسات والخطط الإقتصادية من خلال مصفوفة الصلاحيات بين الشركة والوزرات المعنية من خلال مفهوم "تسخير الأسواق لخدمة التنمية".
فـعملية إعـادة البنـاء الإقتصـادي التـي يجـب أن تعقـب أزمة كورونا تتيــح لواضعــي السياســات فرصــة فريــدة لرســم نمـوذج تنميـة أكثـر اسـتدامة وتوجيـه الإقتصـاد نحـو مسـار للنمــو الإقتصــادي المتســارع والمنصــف لخلق فرص عمل، وتأهيل القوى البشرية وتدريبها، إضافة لذلك يجب على الحكومة التفكير في كلف الانتاج في الطاقة والمياه، وتبني حلول ابتكارية تعمل على تعظيم القيمة المضافة، والتعاون والتكامل بين القطاعين العام والخاص، وليس التنافس، وفي ظل الفرص المتنوعة والمتباينة بينهم، يدفع ذلك إلى استغلال أمثل للمزايا والفرص المتاحة، ويعززها بشكل واضح وتكاملي، لتحقيق طموحات الأردن وترسيخ مكانته كنموذج متطور يوفر المناخ الملائم والبيئة الداعمة للاستثمار.
على الحكومة تحويل تحديات الطاقة لفرص استراتيجية بجذب استثمارات عالمية في مجال ذكاء الشبكات، وتخفيض الفاقد، إضافة لتحويل الفائض لفرص استثمارية في مجالات الاقتصاد الاخضر (الأمونيا الخضراء)، التعدين والصناعات التحويلية وتحلية المياة، بالاضافة لجذب استثمارات التكنولوجيا الرقمية، وتشجيع التوسع بالشراكات الاقليمية، بحيث تدعم الحكومة هذه المشاريع بمصادر طاقة منخفضة التكاليف لتحقق الارباح من خلال حقوق الامتياز، النقل، فرص العمل، السياحة، والعملة الصعبة، مما يرفع معدلات التنمية الاقتصادية.