يشتد النقاش حول نية الحكومة إعطاء ترخيص لأحد المستثمرين من أجل التنقيب عن النحاس في جزء من محمية ضانا في الطفيلة.. إلى هنا الأمر طبيعي وعادي، ولكن السؤال: لماذا التخوف العام من هذا المشروع؟ والحقيقة أن هذا التخوف ليس فقط من أجل الحفاظ على هذه المحمية التي تعتبر من أنجح المشاريع على المستويين الوطني والعالمي. لو كان هذا السبب وحده لتم إيجاد حل وسط بين أصحاب الرأيين حول الموضوع، ولكن المشكلة الحقيقية أن الأردنيين فقدوا الثقة بكل المشاريع التي لم يشعروا أنها عادت بالفائدة عليهم مباشرة، وأثرت إيجابيا على حياتهم، لا سيما المساهمة حل مشكلة البطالة التي نتج عنها بالطبع الفقر والعوز. كما أنه رسخت في أذهانهم حقيقة بأن المشاريع الكبرى تكون فقط لصالح المستثمر نفسه، وجاءت نتيجة عمليات الخصخصة التي حدثت في العقدين الماضيين لمشاريع وطنية كبيرة كانت تدر على الخزينة مبالغ كبيرة تكرس ذلك، حيث كان المواطن يشعر أنه بأمان عند تعامله مع هذه المؤسسات، قبل أن يقع فريسة لجشع الشركات ونهبها لجيوبه.
لا يوجد أحد في الأردن مهما كانت صفته ضد الاستثمار الحقيقي الذي يعود بالفائدة على الدولة والمواطن، ولكن الشفافية مطلوبة في هذا الحال لإراحة المواطن ومحاولة استرداد ثقته المفقودة؛ حيث أنه في الظاهر على الأقل هو الهدف لهذه المشاريع، "هكذا يقولون"، ويجب وضع مصلحة البلاد في أعلى سلم الأولويات.
وبالعودة إلى مشروع التعدين في محمية ضانا، فإن على أصحاب الاتجاهيين أن يقدم كل منهم مرافعته أمام الرأي العام بكل وضوح وحسابات دقيقة، وبأرقام حقيقية حتى تتم المحاسبة في المستقبل سواء نجح المشروع أو فشل، والابتعاد بالحديث عن الخطوط العريضة والعواطف فقط. نريد شرحا وافيا عن مدى احتمال نجاح المشروع، ومن الطرف المقاوم له، الإيضاح الكامل للانعكاسات السلبية للمشروع على المحمية والبيئة، وهل يمكن، كما يقولون، أن يكون هذا المشروع إعداما للمحمية؟ أم أنه كما يقول أصحاب الرأي الآخر بأنه لن يؤثر على المحمية، وبأنه يمكن تعويض المساحة المقترحة لمشروع التعدين بمساحة أخرى تحمل نفس الخصائص والميزات للأرض الأصلية.
ليس المهم من يفوز بالنهاية، المهم أن تعمل الدولة بكل طاقاتها ومؤسساتها على استعادة ثقة الناس بموضوع الاستثمار الذي تشكلت عندهم إزاءه صورة سوداء، وأنهم باتوا يعتقدون أن أي حديث في هذا الموضوع تشوبه حاله من الشكوك والريبة، ولن يكون للصالح العام ولن يعود عليهم بالفائدة. ربما يكون لدى الناس الحق في هذا الموقف الذي يتخذونه من موضوع الاستثمار على المستوى العام، لأنهم رأوا ولمسوا على الحقيقة أن كثيرا مما جرى في العقدين الماضيين من خصخصة واستثمار لم يحقق أدنى درجات النجاح تجاه الصالح الوطني، بل العكس، فقد أثرت مجموعة محدودة من المستثمرين على حساب الناس، وبقي الاقتصاد الوطني تحت وطأة الجمود والتراجع وعدم النمو، الأمر الذي زاد نسب البطالة والفقر لدينا. المهم في الموضوع أن يكون مشروع ضانا -إذا قدر له أن يرى النور- على نور، وتحسب المصلحة الوطنية قبل أي اعتبار، وأن يعرف مدى فائدة هذا المشروع للبلد بالأرقام والحسابات الدقيقة حتى لا يضاف إلى مشاريع عديدة فشلت وكلفت الأردنيين والخزينة مبالغ كبيرة وزادت من عدم ثقة الناس بكثير مما تقوله وتخطط له. والسؤال المشروع: إذا كانت المعلومات صادقة حول استثمار كميات النحاس في محمية ضانا وكذلك قيمة الأرباح، لماذا لا يتصدى لهذا المشروع صندوق استثمار أموال الضمان بصفته المؤتمن على أموال الأردنيين واستثماراتهم؟