شهور قليلة حتى نذهب الى صناديق الاقتراع ، وسيبدأ المرشحون بنفخ وجوههم ، واطالة قاماتهم ، وشفط بطونهم ، ورسم ابتسامات زائفة كذئب خرج للصيد ليلا ، من اجل جمع اصوات الطيبين من اهلنا.
الشعارات الانتخابية وقدح الكلام على "الطالع والنازل" ضد كل شيء ، سيكون ميزة ، كما كل انتخابات ، وسنسمع كلاما لم نسمعه ، لان كثرة من المرشحين ما زالت تعبث بوعي الناس ، وسنقرأ شعارات تبدأ بتحرير العراق والتدخل في قرغيزيا ، وتصل الى التنديد بكل موظف حكومي ، والكلام المعسول قد ينطلي على بعضنا ، لاننا نعتبر ان الشجاعة من سمات العرب.
اذا عدنا الى ارشيف المرشحين السابقين في كل انتخابات سابقة ، واجرينا مقارنة مع ما قالوه وفعلوه تحت القبة ، لعرفنا ان لغز الصنعة عند المرشحين واحد ، فالكلام "ما عليه جمرك" كما يقولون ، ولا بأس من تصعيد لغوي وشتائم هنا وهناك ، ونقد هنا وهناك ، والتصرف باعتبار ان المرشح طير كاسر ، يفيد في جمع اكبر عدد من الاصوات.
ما بين من يطرح نفسه باعتباره معارضة مضطهدة ، وذاك الذي يطرح نفسه باعتباره موالاة مدعومة سراً او علناً ، فان علينا ان نتوقع انغاما جديدة تنتهز الظرف السياسي والاقتصادي ، والمرشح الذي كان يشتم المتصرف فيفوز ، يعرف اليوم ان عليه ان يرفع سقفه قليلا ، حتى يتأهل الى نهائيات النواب ، وكل هذا سيجري على حساب العصب العام للبلد ، من حيث توتيره بلا اي فائدة ، سوى مصالح المرشحين.
الضحك على ذقون الناس ، بات مكشوفا ، والمرشح الصادق عليه ان يقدم برنامج عمل وخطة واضحة وحلولا للمشاكل التي يراها ، لا ان يستأجر مدرساً للغة العربية لصياغة بيان ناري كطبيخ الشحاذين ، تقرأ فيه عن مشكلة فلسطين والعراق ومياه الديسي وسعر البطاطا ، وقبولات الجامعات ، والوضع البيئي لنهر الاردن ، والتعيينات على الفئة الرابع وموقف المرشح من العولمة ، فهذا الانموذج ايضا من المرشحين الذي يطرحون انفسهم باعتبارهم "بحر العلوم" لم يعد رائجا ولا مقبولا.
المرشح الصادق هو من يقول للناس ما الذي يستطيع فعله ، ولا يدغدغ عواطف الجماهير ، بكلام مجاني ، والناخب الذكي يستذكر كل المغامرات السابقة التي قادنا اليها مرشحون سابقون ، والذي يريد ان يفوز ، عليه ان يفوز بجدارته ، لا على حساب العصب العام للبلد ، ولا على حساب مشاعر الناس ، وهمومهم ، والتذاكي عليهم في حالات بالايحاء ان رأسه مطلوب ، او ان رأسه مسنود.
ما بين الذي يخطط لجعل "علم تركيا" جزءا من حملته الانتخابية ، وذاك الذي يخطط لتوزيع "بقج المساعدات" وذاك الذي قرر ان يطرح نفسه باعتباره معّقب معاملات للجماهير ، تتشكل الشعارات الانتخابية المطبوعة والمنسابة عبر الحلوق الرطبة في مهرجانات الدعم والتأييد ، وهي "شعارات وظيفية" في اغلبها.
في رائعته الشعرية يقول احمد شوقي امير الشعراء ، وكأنه يقصد بعض مرشحينا من شتى البرامج والشعارات:
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
يمشي في الأرض يهذي ويسب الماكرينا
(الدستور)