facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هاتف المتردد


علي الزعتري
22-08-2021 06:23 PM

آخرهم تعلق بعمود الكهرباء و قبله فتاةٌ تسلقت مبنىً فارغاً و أنزلهما الدفاع المدني. و قبلهم من التصق بسور الجسر الشهير حتى اقتنع بالعدول. و منهم من لم ينتظر و ألقى في سَوْرَةِ القنوط من رحمة اللهَ الجسد و النفس للموت بالرصاصة أو السم أو القفز من عُلْ. تعددت الأسباب و الموتُ واحدُ و كُلٌ له ساعةٌ مُختارةٌ والدين يضعُ الفرقَ بين ساعةِ الله واختيار البشر. ساعةُ الله طاعةٌ و ساعةُ البشرِ بها شك المعصية، والله أعلم.

المنتحرون و أولئك المقبلين على الانتحار لكن بتردد هم حالةٌ اجتماعيةٌ بائسةٌ تفرض نفسها بالموت أو التهديد به بين الفينة و الأخرى ولا يوجد لها حل واضحٌ. أرواحٌ يائسةٌ بلا مُعين. يتملك نفوسهم وَهْمٌ أو حقيقةٌ يعذبهمٌ و يلغي رجاحة العقل فيأخذ الإنسان روحه بيده بدون تردد. عازمٌ على هربٍ سريعٍ من الحياة لِذنبٍ أو خشيةٍ من ملامةٍ أو لمرضٍ لا يرجى شفاؤه، فينتحر بلا مقدمات و بتصميم. الله وحده يعلم شؤونهم التي قادت لهذا المسار الكارثي وهو وحده يعلم بالمصير الأبدي لمن يأخذ قرار موته بيده. لكن الأهل و الأصدقاء سيعيشون عذاب هذا القرار لأنهم لم يروا القادم و لم يمنعوه فإذا به يخذل نفسه و يخذلهم.

تقول منظمة الصحة العالمية أن قرابة 700 ألف إنسان ينتحرون سنويا. و أن 79 بالمائة من المنتحرين يعيشون بدول متوسطة ومنخفضة الدخل. المنظمة ترمي باللائمة ربما على الفقر و الأسباب الاجتماعية و الصحية لكن أسباب الانتحار متعددة بلا شك و هو على أي حال هروبٌ من مواجهة. وكالة أنباء "روسيا اليوم" عرضت تقريرا بشهر يناير 2021 عن الانتحار في الأردن و أوردت أعداد المنتحرين. 153 في عام 2020 وهو الأعلى لليوم. بحثت عن أرقام إحصائية رسمية فلم أوفق. التقرير يتكلم عن أسباب الانتحار من فقر و فشل و مرض.

أما المترددون في الانتحار فلا أرقام عنهم و ربما يدرجون تحت بند المخالفات الجرمية. لكنهم أفلحوا بترددهم ربما من حيث لا ينوون. هم بين اليأس والأمل بمنطقة مراوحةٍ فكريةٍ هلاميةٍ رماديةٍ تأخذهم للهاوية و تعيدهم لما يرجون فيه أو منه مُعيناً غيرَ واثقين من عزمهم المتردد على الانتحار و لربما بترددهم هذا أرادوا إثارةً للجلبة تقود لاهتمام أحدٍ ما لتغيير حالهم. وهم بالنتيجة اختلقوا ألماً و انشغالاً مع أهلهم و مع الجهات المنقذة بشكلٍ رئيسي، و أربكوا المواطنين العابرين. ولو كانوا ضحايا ظلمٍ أو وهمٍ فقد أذنبوا بحق النفس البشرية المهداة لهم من الله و التي لا يجوز التفريط بها هرباً من الملمات، وأذنبوا كذلك بحق من سعى يثنيهم عن الانتحار من أطقمُ أمنٍ و إسعافٍ تُهْدَرُ طاقتهم النفسية والجسدية في غير مكانها وإن كان عملهم هو الإنقاذ.

والنفس البشرية عجيبةٌ في رد فعلها على المتردد عن رمي النفس للتهلكة. الأهل تصدمهم الحادثة فيلومون و يرجون. و من المتحلقين أثناء الحدث منهم من يدعو بالنجاة و الرشاد، و من يدعو سَفَهاً بالهلاك! من يجتهد بالدعاء والنداء ليمنعه و من يتمنى سقوطه كي يلتقط لحظة السقوط صورةً لينشرها فخراً. الخيرُ والشرُ هناكَ في الأسفلِ بين الناس وفي الأعلى مع المتردد حيث القلب يخفق و العينان جاحظتان والأطراف ترجف و الفكر ينتقل بين خوفٍ و رجاءٍ و اللسان يقول بما يجوز ولا يجوز. وحدها النفس الأمارة بالخير و الشر تقرر المرور نحو الفناء أو البقاء. ثم تمتد ذراعٌ رحيمة لتنقذ و تحنو.

لو كان عندنا مثلما بروايات الخيال العلمي ما يتنبأُ مسبقاً بحدوث الشر لسبقه الخير. لكنه ليس بالاستطاعة في هذا الزمان. و لكل من يفكر بالانتحار، تردد ما شئت و تردد طويلاً و قاوم و انتظر سواعد الخير و الحياة فحياتك تستحق الإنتظار. و للمسؤولين و الجمعيات الأهلية و الأساتذة و الأطباء الذين يهتمون بهذا الشأن الإنساني: كثيرون يمرون بأزمات الحياة التي تدفعهم دفعاً للخلاص بالموت السريع. رقمُ هاتفٍ يسهل حفظه و يُعلنُ عنه و يديرهُ مختصون بأنفس و أصوات رحيمة قد تكون كل ما يطلبه المتردد للنصيحةِ و الخلاص من الفكرة المدمرة و الانتحار. و الله المستعان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :