بين اختيار التخصص الجامعي ومتطلبات سوق العمل
فيصل تايه
21-08-2021 04:05 PM
بعد أن طويت صفحة الثانوية العامة لهذا العام واعلنت النتائج ، تأتي المرحلة الاصعب في اختيار التخصصات الجامعية في ظل التزاحم في اختيار الكثير منها ، والتي هي في معظمها بعيدة عن حاجاتنا ، ولا تلبي طموحات ابنائنا الطلبة نحو مستقبل واعد وآمن يضمن العيش الكريم ، فنرى في كثير من الأحيان سوءاً واضحا في اختيار بعض التخصصات ، بالرغم من وجود مرجعية واضحة لدى وزارة التعليم العالي ووحدة تنسيق القبول الموحد ، توجه الأهل والطلبة وترشدهم إلى ضرورة مراجعه الكثير من المفاهيم الخاطئة التي سادت وتسود مجتمعنا ، حيث رافق ذلك إعلام إرشادي توعوي موجه يلقي الضوء على احتياجاتنا المستقبلية من الكوادر البشرية العاملة لتتمشى مع سوق العمل ولتجد فرصتها في إيجاد طريق المستقبل ، اضافة إلى ما توجهت إليه عقليه المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية بالفترة الأخيرة ، فكانت بادرة إيجابية من عطوفة السيد سامح الناصر رئيس ديوان الخدمة المدنية للاعلان عن التخصصات الراكدة والمشبعة وحاجات سوق العمل .
إن من يطلع على أجندة وسجلات وتقارير ديوان الخدمة المدنية والتي تكشف عن أعداد الخريجين المتوقع تخرجهم في السنوات القليلة القادمة وعن خياراتهم وتخصصاتهم غير المنسجمة مع حاجاتنا سيصاب بالذهول ، لان الكثير منهم سينضم وبكل تأكيد إلى جيوش الخريجين الذين ما زالوا يعانون من سوء اختيارهم للتخصصاتهم ، ليضافوا بذلك إلى صفوف العاطلين عن العمل ، مما يعني تفاقم في البطالة الهيكلية المقننة ، لذلك فأن حاجات و متطلبات سوق العمل تشكل جزءاً أساسياً من حاجات و متطلبات الطالب الذي الحاصل على شهادته الجامعية ليكتشف أن رحلته الأصعب قد بدأت بعد تخرّجه ، فهي رحلة الحياة وتأمين لقمة العيش في ظل أسواق عمل تتميز بمنافسة شديدة لا يجد فيها ما يناسبه إلا من أعدته جامعته لفهم احتياجات ومتطلبات وآليات عمل تلك الأسواق ، ولا شك أيضاً أن حاجات و متطلبات سوق العمل تشكل جزءاً أساسياً وحاسماً من متطلبات تنمية مجتمعنا الأردني الذي يسعى باستمرار للتفاعل مع عالم يتغير وتتبدل متطلباته وحاجاته وأدواته وأساليبه وآلياته بسرعة مذهلة.
ان الدور الكبير الملقى على عاتق وزارة التعليم العالي ليس مقصوراً على إعداد الطالب الإعداد السليم ليكون مواطناً خادماً لوطنه بالشكل الأمثل ، بل ليكون أيضاً منافساً رابحاً في أسواق العمل ، ذلك هو أحد أهم مدخلات تنمية المجتمع اقتصاديا وتربوياً واجتماعيا ، بالإضافة إلى تنشيط الآليات النوعية الضرورية لأسواق العمل من أجل تمكينها من تحديث بُناها الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية وغيرها ، لذلك فقد توعت وزارة التعليم العالي لهذا الدور وادركت هذا الواقع الذي يحتم علينا تغيير الأسس التقليدية التي يرتكز عليها التعليم العالي ، فسعت الى أن يكون دور مؤسسات التعليم العالي أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة للمتغيرات والحاجات المستجدة في أسواق العمل ، ويمكن في هذا الصدد الإبقاء على البرامج والمناهج الثابتة ، واستحداث برامج أخرى جديدة ومرنة تلبي متطلبات تطوير مهارات الموارد البشرية وفقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات في سوق العمل ، والسعي لجعل التعليم العالي قادراً على التأثير الجدي في مجتمعنا عبر تمكينه من تطوير ذاته مهنيا ، وتكوين المعرفة بذلك وإنتاجها ، ثم نقلها ضمن قنوات مناسبة إلى خلايا المجتمع لكي تصب في خدمة إنساننا ووطننا وأمتنا.
اننا واذ نتحدث عن هذا الموضوع الذي يشغل بال ابنائنا الطلبة واهاليهم والمتعلق بمستقبلهم ، فإننا نحتاج باستمرار الى تحديث مستمر لهندسة التعليم العالي وضمان ترابطه العضوي مع سوق العمل والذي هو معيار نجاح أي مشروع يهدف إلى إعادة تنظيم التعليم العالي ، فنحن نطمح إلى أن يحصل أبناؤنا الطلبة وينالوا الشهادات الجامعية من أجل تحقيق طموحهم المستقبلي ، فلا بد من بحث رؤى تفاعلية ثاقبة ، وذلك بتحمل الجميع لمسؤولياتهم ، حيث من الضرورة بمكان إشراك كافة القطاعات الاقتصادية والمهنية في التخطيط لمستقبل الأجيال ، ولن نغفل عن ضرورة اعتماد تشاركيه في التخطيط بين القطاعين العام والخاص من أجل وضع الخطط الدراسية المستقبلية التي تؤمن بعداً سسيولوجياً لمجتمعنا ، فالمدخلات الأساسية التي يحتاجها سوق العمل تكمن في مخرجات التعليم العالي ، وكضرورة حتمية لا بد من شراكة حقيقية وراسخة بين هذين القطاعين ، فذلك يتطلب ضرورة وضع أولويات وآليات عمل إجرائية مع زيادة صلة المناهج الأكاديمية بسوق العمل لكي تتماشى بشكل أفضل مع متطلبات ذلك السوق ، وهنا يجب التنسيق إلى حد كبير فيما بين القطاع المهني والقطاع الخاص والعام وغرف الصناعة والتجارة أيضاً للعمل على أن إنتاج منتج مهيأ لتلبية الحاجات والمتطلبات الأساسية لأسواق العمل ، مع التركيز على جودة النظام التعليمي والذي يقتضي التركيز ليس فقط على المدخلات بل والمخرجات أيضاً ، فتكون هناك حدود دنيا ومهارات معينة يجب أن يتمتع بها الخريجون .
اعود إلى القول مرة أخرى أن التوجهات القائمة لدى وزارة التعليم العالي تتعلق بضرورة بناء الكوادر البشرية بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل ، وهذا يتطلب بالضرورة ربط التخطيط التعليمي بالتخطيط الاقتصادي في إطار خطة تنمية شاملة ، ومتابعة الخريجين باستخدام التدريب والتأهيل بالتعاون مع الأطراف ذات العلاقة وخاصة القطاع الخاص ، وربط التخصصات بالاحتياجات من القوى العاملة على المدى المتوسط والطويل ، اضافة الى إنشاء قاعدة بيانات مربوطة بشبكة معلومات تستفيد منها الأجهزة المناط بها وضع سياسات الاستخدام وتخطيط القوى العاملة وتخطيط التعليم ، مع استمرار تحديث المناهج والطرق التدريسية لمواكبة التطور السريع في البيئة الداخلية والخارجية ، حيث ما زلنا بحاجة ال إنشاء مراكز تدريب مهني ضمن الجامعة الواحدة ، ويساهم فيها أساتذة الجامعة كل في تخصصه ، والقطاع الخاص بخبرته العملية ، يتدرب فيها الطلاب الذين على وشك التخرج لينخرطوا مباشرة في سوق العمل ، سيضمن معالجة جذرية للخروج حتما من هذا الكابوس مع اعتماد استمرارية سياسة التوجيه المهني عبر القنوات الإرشادية المعروفة .
بقي ان أقول أن معالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي يتصف بعقلية علمية ، ويتقبل كافة المقترحات التي من شأنها تجويد وتحسين وتطوير العمل بما يخدم قضايانا الوطنية ومستقبل أبنائنا الطلبة لذلك فمن الضروري بحث هذا الموضوع بكل همة ومسؤولية ، ومتابعة كافة المقتراحات مع ذوي العلاقة ولعل أبرزها كما سمعت من الكثير من الأكاديمين الجامعيين ، العمل على التوسع في إنشاء الكليات التطبيقية وضرورة ربط التخطيط التعليمي بالتخطيط الاقتصادي في إطار خطة التنمية لتفادي تخريج قوى عاملة غير مرغوب فيها .. وبذلك نرقى إلى الحاجات والضرورات الملحة ، كذلك لا بد من إيجاد برامج تعنى بتوجيه شبابنا نحو التعليم والعمل المهني كونهما من عناصر التنمية الاقتصادية ومجالاته ، فهي مربحة للعاملين فيه إذا أجادوا المهن المختلفة وأقدموا عليها طواعية ، فالعمل في المهن الحرفية لها المردود المادي الذي يمكن العاملين فيها من مواجهة أعباء الحياة ، ذلك يتطلب منا العمل على تغيير بعض المفاهيم المترسخة في مجتمعنا بل إن المجتمع الأردني بحاجة إلى ثقافة تضرب بقوة في عمقه ، تلك الثقافة الذي تقوم بعض جوانبها على كثير من القيود والحواجز ، ولعل توارث القيم والعادات في المجتمع تعمل على تأصيلها والإبقاء عليها وتقويتها للإبقاء على الحياة كما هي أمام الكثير من التغيرات الحضارية والاجتماعية ، بل إن اختيار المهنة ليس ما يتعارض مع عادات المجتمع وتقاليده التي لا تقوم على أساس علمي أو شرعي ، بل أصبح هذا المفهوم يقوم على خرافات وتقاليد بالية عفى عليها الزمن ، ولم تعد تتماشى مع متطلبات العصر الحاضر ، بل يجب أن ننظر إلى هذا الموضوع بجديدة ، ونبتعد عن المفاهيم الخاطئة وننمي ثقافة مغايرة لثقافة العيب ، التي نتذرع بها ويتمسك بها كثير من أفراد مجتمعنا ، فهذه المهن لا تتعارض بالمطلق مع القيم أو مصلحة الوطن العامة ، وفي النهاية هو ما يتعارض مع النظام الذي تقوم عليه سياسة الوطن باعتبارنا مواطنين فيه وننتمي إليه.
واخيرا وان اطلت كثيرا تمنياتي أن تكون هذه الرؤى نبراسا لطلبتنا الأعزاء الذين ما زالوا مصريين على انتهاج تقليد أعمى في اختيار تخصصاتهم ، سائلاً المولى عز وجل أن يعينهم على تحديد خيارهم ومسارهم الصحيح والذي سيضمن مستقبل مشرق واعد يضمن لهم سبل العيش الكريم .
والله ولي التوفيق