أتذكر جيدا كيف ضاجت الدنيا واحتفل الغرب ومعظم العرب يوم دخل المجاهدون الأفغان العاصمة كابول معلنين سقوط النظام الموالي للسوفييت آنذاك ولقطات الإعدام العلني لنجيب الله حتى بعد تنحيه عن الرئاسة فانهارت الجغرافيا الأفغانية بسرعة لحكم مجموعات المجاهدين الذين لم يكن لهم مشروع دولة وغرقوا في نزاع مسلح مُجبرين كل من قرأ كتاب " آيات الرحمن في جهاد الأفغان" على التشكيك به
هذه المرحلة الفوضوية مهدت جيدا لكل من كان له مشروع سياسي ويمتلك القوة أن يظهر على المتصارعين فكانت تلك الحركة الطلابية الدينية بدعم من الجار الباكستاني وسيطرت على معظم أفغانستان بإستثناء المنطقة التي انحصر فيها حلف الشمال دون أن يؤثر ميدانيا على استقرار الحكم لطلاب الأمس وحكام اليوم
تلك الإمارة الإسلامية كما أحب أن يسميها أصحابها غرقت بالتفاصيل الأيدولوجية وتحالفت مع القاعدة وحتى لو لم تشاركه في أفعاله العدائية لكنها وفرت الحماية العلنية له ولقادته ما أوجب عداء العالم بشكل كامل لها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الفين وواحد فسقط الطالبان كنظام تحت ضربات إحتلال الناتو الأمريكي وتفككت القاعدة وقُتل قادتها والقاعدة هنا هي شيء دخيل لم تنمتي للجغرافيا ولا حتى للتاريخ الأفغاني بعكس الطالبان التي ضعفت ولم تنتهي فأدرك المحتل بعد سنوات ذلك حين بدأ التفاوض غير العلني مع الحركة التي أصبحت أقل تطرفا " نسبيا " بعد زوال هيمنة القاعدة عنها ولديها بوادر لعمل سياسي فكسبت من المجتمع الدولي اعترافا ضمنيا بوجودها
اليوم وبعد أن أعاد التاريخ نفسه لا أميل أبدا لما يقال بأن الولايات المتحدة والناتو سلموا أفغانستان للحركة بالطريقة الدراماتيكية التي شاهدناها لكنهم لم يكن لديهم مانع إن استطاعت طالبان فعل ذلك ففعلت بسرعة غير متوقعة وانهار نظام السلطة التابع للإحتلال كما انهار نظام نجيب الله ! وذلك سنة من سنن الله عز وجل أن الإحتلال ورجاله لا تكون لهم غلبة مطلقة
أما ما حدث في المطار خلال الأيام الأولى فهو حقيقي لكنه لم يكن أبدا خارج السيطرة الأمريكية والطالبانية فالأول كانت له رسائل خارجية بأن الفوضى قد تكون البديل إذا فشلت المفاوضات المستمرة وداخلية بين حزبي السلطة في الولايات المتحدة أما الثاني فوقف متفرجا وسمح للناس بالوصول للمطار للخلاص من أكبر كم من عملاء النظام السابق والإحتلال معا وما الإعتراف بوجود تفاهمات بين طالبان والغرب في المطار إلا دليل على ذلك وهو مقدمة لتفاهمات اكثر من ميدانية تكون سياسية واجتماعية
وربما نجد اعترافا بنظام أفغاني جديد أكثر حداثة وأقل تطرفا .