عادت حركة طالبان للحكم، بعد عشرين عاما من تركه إثر هجمات 11 أيلول 2001، وما تبعها من حرب على الارهاب. وكأن شيئا لم يكن، تعود طالبان وتمسك بمفاصل البلاد وحكمه بكل سهولة ويسر، وبالقليل من المقاومة من قبل الجيش الذي استغرق بناؤه 20 عاما. انفقت الولايات المتحدة ما يقرب من 2 تريليون دولار على الحرب في افغانستان وتدريب الجيش، ودول اخرى انفقت مبالغ طائلة ايضا، ليكون حصيلة ذلك حرفيا “خفي حنين”.
اخفاق ما بعده اخفاق، اعاد للذهن الانسحاب الاميركي من فيتنام، والسوفيتي من افغانستان. الرئيس الاميركي شعر ان لا طائل من هذه الحرب التي لا يريد حتى اصحابها ان يخوضوها، فقرر الانسحاب وتحمل المسؤولية السياسية، ولكنه ترك افغانستان ساحة سياسية وعسكرية لحركة متشددة ان لم نقل ارهابية.
كان يمكن افضل مما كان، وكان الافضل والاكثر منطقا الانسحاب المتدرج، الذي لا يترك فراغا ملأته طالبان في غضون ساعات. الانسحاب على شاكلة ذلك الذي يحدث بالعراق اكثر منطقية وفعالية، بألا تكون هناك مغادرة كلية سريعة مضطربة، وانما الابقاء على جنود وربما قواعد، من اجل ترسيخ معادلة الردع، هذا ما فعلته اميركا في العراق، وما فعلته اثناء الحرب الباردة مع المانيا.
الابقاء على عدد من الجنود يكفي للدفاع عن انفسهم، ويوازن معادلة الردع، كان سيكون الافضل للجميع بمن فيهم الشعب الافغاني، لكن اميركا من شعب ونخبة، ديمقراطيين وجمهوريين، فقدوا صبرهم من بقاء جنودهم يخوضون معارك في ارجاء العالم، يعتقد غالبيتهم ان لا طائل منها. هي ليست سياسة العزلة من جديد، ولكنها المصلحة ومتطلباتها وما تمليه من قرارات لها رابحون وخاسرون.
عشرون عاما في افغانستان لم تحدث التغيرات العسكرية ولا السياسية التي أمل العالم بإحداثها. صنعة بناء الدول معقدة وكبيرة وتكاد تكون مهمة مستحيلة، ولا يبدو ان الاحتلال والاداء العسكري طرقها الفاعلة. تخيلوا لو ان هذا الكم من الانفاق على الحرب انفق على التعليم في افغانستان، او التنمية والثقافة؟ هذا ما كان سيحدث أثرا كبيرا عميقا بتغيير درجة التشدد والتطرف التي تعيشها قطاعات كبيرة من الشعب الافغاني.
من المبكر الحكم او التنبؤ بسلوك طالبان، فلدينا مؤشرات متباينة ومتضاربة. طالبان تسعى لتطمين العالم، وتؤكد انها لن تسمح لأي جهة، بما فيها القاعدة، لاستعمال اراضيها للتدريب او تهديد الآخرين. ولكنها بذات الوقت، تتحدث عن حكم متشدد يقترب لنموذج الثورة الايرانية إبان قدوم الخميني.
ايران، وربما الصين وروسيا، مستفيدون من الانسحاب الاميركي وبالطريقة التي تمت، وهم ينسجون علاقات طبيعية مع افغانستان، بالمقابل فدول مثل اعضاء الناتو وباكستان وتركيا متضررون. افغانستان عادت سياسيا وعسكريا لتكون اقرب للصندوق الاسود، لا يعرف احد ماذا يخبئ او ماذا سيخرج منه.
ما حدث قد حدث، ولكن على العالم ألا يبتعد عن افغانستان، بل يبقى قريبا يحاول فتح الصندوق الاسود، ويضمن انه لا يضمر الشر للعالم.
(الغد)