مع ناهض .. والتيار الوطني التقدمي
عاطف الفراية
23-06-2007 03:00 AM
أقرر بداية بعض الحقائق أولها أن فكرة هذا المقال كان من الممكن أن توضع في تعليق على هامش بيان التيار لولا الخوف من ضياع التعليق وربما لطوله.
وثانيها أنني أناقش الأمر حسب تصوري الخاص لمعنى التيار.. وليس بناء على معلومة تحدد توصيفا محددا له.. والتي أتمنى على الأستاذ ناهض أن يمدنا بها مع ضرورة ذكر أسماء أخرى تتخذ من التيار ذاته مظلة للعمل السياسي.
ولأنني لم أعتد الكتابة في الشأن السياسي المباشر فإن لغتي في المقال ستكون أقرب إلى ما يمكن لراع مثل خميس بن جمعة..مثلا.. أن يفهمه كما كانت في كل نثر كتبته.
فالتيار كما أتصور هو مجموعة من الناس قد يكون لديها مرجعيات أيديولوجية مختلفة لكنها تلتقي (فيما هو مفترض) على أسس المصلحة الوطنية العليا فيترك البعثي أو البعثي السابق.. والشيوعي أو الشيوعي السابق.. والأخ المسلم (السابق بالضرورة) ..الخ .. ولاءاتهم قبل الدخول إلى العمل (التياري ) ليلتقوا على القاعدة الذهبية (نتعاون فيما اتفقنا عليه.. ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) ثم لا يكون الواحد منحازا لموقفه الفكري حين يتعارض مع طرح أغلبية التيار..
هل هذا حلم؟ أم أنه ممكن التحقق؟
في مقدمة البيان نرى التوصيف التالي:
((ان تتلاقى مع إرادة نخبة فاعلة متحررة من ذهنية الماضي والاعتبارات الشخصية والازداوجية الأخلاقية بين المشروع الخاص والمشروع العام، نخبة تتماهى كليا مع الدور التاريخي المنوط بها ولا ترى في السياسة سُلّما للارتقاء الشخصي, بل مجالا لازدهار الشخصية والإبداع.))
هذا (بتقديري) توصيف إنشائي جميل يحتاج إلى تفصيل..وبالتحديد ما يتعلق بالتخلص من (ذهنية الماضي) وما هي مكونات هذه النخبة؟ وهل هي من مرجعية واحدة أم باب مفتوح على مرجعيات متعددة منحازة لهم الوطن أكثر من خطها الفكري الخاص؟ وذلك ليستطيع المناقش للبيان أن يستبين قدرتها على (التخلص من ) مرجعياتها الأيديولوجية مثلا.. كجزء من (ذهنية الماضي) حسب توصيف البيان. من مثل (العيش على أطلال ما قبل البريسترويكا لدى البعض).. أو الهتاف بحياة صدام حسين بعد موته لدى البعض الآخر.. أو (طلب النصرة) لدى التحاررة.. أو العمل على أسلمة المجتمع الأمريكي (لدى التبليغ) أو محاربة البدع دون الفصل بين البدعة والإبداع (لدى السلفيين) أو (أستاذية العالم) حسب رسائل الإمام البنا.. أو المطالبة بإلغاء الديمقراطية حسب (حركة مقاومة الديمقراطية .. حمد) غير المعلنة.. رغم كثرة أتباعها !!
الفقرة المتعلقة بتوصيف الحالة السياسية والاستقطاب الثنائي في مرحلة زمنية معينة تغريني بالحديث حول العملية الديمقراطية برمتها.. ومناقشة مقولة دائما ما تجري على ألسنة الإسلاميين (الذين أنا منهم).. إذ دائما ما يبادرونك بالقول إن الخيار الشعبي الحر سيأتي لصالح الإسلاميين إذا ترك للشعب أن يختار بحرية، وهذه هي الديمقراطية الحقة كما (يقولون) ... وبرأيي أن هذه هي (الديمقراطية العرجاء)..أعني في الأردن . إذ كيف لنا أن نتصور أن تقوم دولة بحجب العمل السياسي عن كل الاتجاهات الفكرية بل وتطاردها حتى في اتحادات الطلبة في الجامعات خارج الوطن.. وتضيق عليها بحجز الجوازات والحرمان من العمل والسفر وغير ذلك الكثير من وسائل التضييق ولمدة نصف قرن يكون فيه (مجرد التفكير في السياسة جريمة) إذ كانت الأجهزة تحاسبك على ما تفكر فيه وليس على ما فعلته.. وفي ذات نصف القرن تترك العنان لاتجاهين فقط ( الرسمي الحكومي الاسترضائي الأبوي التنفيعي التحاصصي العشائري المخاتيري المشيخي الضباطمتقاعدي (إن جاز لنا أن نسميه اتجاها) .. والإخوان المسلمين كتيار تفاهمي غير صدامي) حتى يتمدد كل منهما (على الآخر بكسر الخاء) ثم تستفيق فجأة وتقول للجميع: (يالا شباب.. معكم سنة زمان تشتغلوا.. ) وبعد عام أو عامين يكون التنافس منطقيا بين من يشتغل منذ خمسين عاما ومن يشتغل منذ عام مثلا.. لعل هذا يدخلنا في الحديث عن شكل غريب عجيب من الديمقراطية يمكن أن نسميه (الديمقراطية غير العادلة) هذا كله بعد افتراض النزاهة غير المجزوم بها.. وعدم إغفال أسباب (العرج) الأخرى من قوانين متخلفة ودعم رسمي (توظيفي وإعلامي وقانوني وأعطياتي ومغلفاتي) (لديمقراطية المخترة)
فماذا أعد التيار الوطني التقدمي من أدوات لهكذا منافسة عرجاء ؟
(بتقديري) إن اللعب في أهم ساحة يتخلى عنها اللاعبان التاريخيان هو الأكثر جدوى على مستوى الكسب الشعبي، إنها ساحة الناس.. معاناة الناس وجوعهم.. ليس في إنشاء جمعية تقدم للناس سمكة دون أن تعلمهم الصيد خلافا للمثل الصيني الشهير.. بل في ما هو أهم وأكبر وأعمق.. إن ما لدي الآن هو كلام حائر بين الاقتراح والتساؤل.. وقبل أن أطرحه سأستعين بحادثة تاريخية قريبة.
أحداث الخبز في الكرك.. إبان حكومة الكباريتي حين قرر الناس الخروج من المسجد العمري باتجاه المحافظة في مسيرة سلمية لتقديم مذكرة احتجاج.. واختبأت قيادة الإخوان المسلمين التي كانت كركية بامتياز وكعادتها حين تشم رائحة أو احتمال صدام من أي نوع.. فرغت الساحة لبروز قائد شعبي كان نائبا غير مسيس.. (نائب خدمات حسب التقسيم الأردني العتيد) طبعا هذا قبل أن تتحول المسيرة إلى شغب ومواجهة بفعل سوء رد الفعل الرسمي..
الشاهد في القصة هو تحول النائب المحترم إلى قائد جماهيري لإمساكه المبكر بزمام المبادرة الشعبية لحظة غياب التيار الأوسع انتشارا. وهو على أية حال يستحق ذلك..
والتيارات الأوسع انتشارا الآن غائبة عن أهم قضية تشغل الشعب وجياعه الذين صبروا عقودا وهم يحلمون بالنفط.. النفط الذي يتم التآمر عليه وتضيع حقيقته بين حرب التصريحات.. وكأن مالكيه من الشعب لا يعنيهم الأمر.. فهل من الممكن أن يمسك التيار محل النقاش زمام المبادرة ليقود الشعب عبر مؤسساته الحزبية والنقابية والثقافية والمبادرات الفردية باتجاه تشكيل تأثير مبكر يسبق الانتخابات ويثبت القدرة وحسن النية بعيدا عن التصويت وانحيازا لقوت الشعب ويفضي إلى اختزال الزمن الذي احتكر فيه التأثير في الجماهير؟ هل يقوم التيار بتجييش الشعب باتجاه الإمساك بملف ثروته المتآمر عليها لصالح أبطال الخصخصة والمنفعة الشخصية الذين وصفهم البيان بقوله ((لا نريد تحديث قطاعات اقتصادية لمصلحة حفنة من المستثمرين الأجانب وشركائهم المحليين)) وباتجاه الضغط (حتى على القضاء نفسه) من أجل الخروج من دائرة الإنشاء الجميل الذي سمعناه كثيرا في مدح القضاء النزيه والعادل والذي ينتهي عادة بدخول القضية إلى دهاليز وأدراج وعدم خروجها ؟
التساؤل شبه الاقتراح هنا مصدره فقرة من البيان (من واجب التيار الوطني - التقدمي, تعبئة الفئات الاجتماعية الوطنية الشعبية,بغض النظر عن أصولها، وتنظيم ثقافتها وحراكها السياسي من اجل إنجاز المهمات التاريخية الثلاث للتقدم الاردني. إحداها.. ) تحقيق اختراق تنموي وطني رئيسي - يتمحور حوله الاقتصاد الوطني - وتحشيد القدرات الاجتماعية الذاتية في سياق المنافسة الاقتصادية الإقليمية والدولية.) فهل يمكن للتيار أن يكون هو (جبهة الصد الشعبي) الذي يتبنى قضايا الفساد وتزهيق المحاكم والضغط على القضاء ليمارس دوره ؟ تلك الجبهة التي أشار إليها (خميس بن جمعة) في مقالتي في عمون الموسومة (القضاء والفساد خذوني على قد عقلي)
لعل درجة عالية من البساطة تجعلني أفترض هذا.. لكنه على أية حال كلام يقبل النقد والنقض كما اعتدت أن أصف كلامي .. لكنني أرى بمنطق الجائع أن ملف النفط هو المدخل إلى تحقيق الفقرة السابقة من البيان.. والفقرة التالية لها (تحقيق البناء الفكري والتنظيمي والدستوري للديمقراطية الاجتماعية على مبادئ المساواة، وأولوية المصالح الاجتماعية، وتعزيز الدور الاقتصادي - الاجتماعي للدولة في قيادة العملية التنموية والتحديث. والنهوض بالخدمات العامة المجانية في التعليم والطبابة والرعاية الاجتماعية.. الخ«.
إن التحرك باتجاه تجييش الشعب لاستعادة دوره الذي أهمله في الضغط بكل الاتجاهات حين تم إشغاله بجمع قوت يومه (وما كان الملف النفطي إلا مثالا فقط) هو (بتقديري) المدخل الحقيقي الناجع لمن أراد أن يقود حركة التطوير في المجتمع مسندا ظهره إلى أصلب جدار.. حتى لا يبقى الناس (مضخة أصوات) لمن يدغدغ مشاعرهم .. أو لمن يرمي لهم عظمة.. وانسجاما مع فقرة ختام البيان((لا نستطيع أن نظل قابعين في موقع الدفاع البدائي عن النفس،في مهب الريح، نتوسل الحلول والأدوار، ونطلب المساعدات لإدارة الفقر.
يمكننا - ويتوجب علينا - أن نقتحم الحياة... فالنجاة بالاقتحام)) انتهى الاقتباس وأفضل الاقتحام كما أفهمه هو اقتحام ما أحجم عنه الآخرون.. أو حايدوا تجاهه.. أو استثمروه خطابيا وإنشائيا وصراخيا..
أخيرا...
أرى أن طلب التبرع منطقي.. الأصل في العملية الانتخابية أن المرشح رسول التعبير عن (فكر واتجاه ورغبة الناخب).. ومن العادي أن يصرف الناخب على (فكره ورغبته واتجاهه).. بل أرى أن العكس هو الذي يفتح الباب على مصراعيه لنواب لا شأن لهم بالناخب إلا من حيث هو صوت مقابل (مدفأة كاز.. مثلا) والناخب الذي يدفع لحملة المرشح هو الناخب الذي يستطيع أن يلزم النائب بنهج معين.. أما الناخب الذي يأخذ أو يأكل من (صيوان) المرشح فهو ليس شريكا في العملية أساسا.. لأنه منتفع فقط..
Amann272@hotmail.com
00971507354634
/ الشارقة