الاستثمار وحوكمة القطاع العام
د. محمود عبابنة
18-08-2021 10:38 AM
بالرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على إصدار دليل حوكمة القطاع العام من قِبل وزارة تطوير القطاع العام، إلا أن الواقع الحقيقي لدوائر ومؤسسات الدولة ما زال يعاني مزيداً من الترهل والتراجع، ويؤكد على ذلك ما يعانيه طالب الخدمة في ردهات المؤسسات الحكومية، وهذا يعيدنا الى المربع الأول والمقولة المتكررة أنه ليس بالمهم اشتقاق القوانين والانظمة والتعليمات، وإنما متابعة تطبيقها وتسهيل حسن تأويلها، تمهيداً لتجويد الخدمة المقدمة لطالبيها وإنجازها بأسرع وقت وأفضل حال، وهذا يقتضي مراجعة طبيعة العنصر البشري في الإدارة العامة وغربلة جيوش الموظفين الجرارة والتخلص من المئات او الآلاف الذين لا يملكون سوى كلمة "لا ... ارجع بكرا ... مش اختصاصي ... السيستم معطل".
للأسف هذا هو الواقع اليومي في دوائر الخدمة رغم ما يتشدق به رؤساء ومدراء الدوائر والمؤسسات عن انجازاتهم وأرقامهم التي يدلون بها في الصحف والمؤتمرات ويعرضونها على الـــ Power Point وعلى مواقع دوائرهم، وحتى لا نُتهم بالمناكفة و كَيل الاتهامات والنظر الى النصف الفارغ من الكأس، فلنعد قليلاً إلى الوراء، فقد دخل علينا بعد عام 2003 مئات الآلاف من المستثمرين العراقيين وغيرهم من الذين أسسوا الشركات بمختلف أنواعها، وقد كانت فرصة ذهبية وفرت للأردن، وانعكس ذلك في السنوات اللاحقة على حركة الاقتصاد والتجارة، واستفادت قطاعات عديدة من وجود هذا العدد الضخم من المستثمرين، الذين وضعوا أموالهم بحسن نية للاستفادة من ميزة الأمن والأمان التي نباهي بها، إلا أنه وبعد مرور هذه السنوات منذ عام 2014، ونتيجة للجهود الحثيثة في تهجير هؤلاء المستثمرين ووضع القيود على حركتهم والعراقيل أمام مبادراتهم والمبالغة في فرض الضرائب والرسوم عليهم، نجحت هذه الجهات بقصد او دون قصد بتهجير مئات الآلاف من هؤلاء المستثمرين، واستطاعت أن توصلهم الى المطار مع التوصية بالسفر الى مصر او تركيا او دبي وعدم العودة، وقد تكاتف على إنجاز هذه البيروقراطية المعهودة وعدم كفاءة بعض الاجهزة والإدارات الحكومية والرعب الوظيفي.
نسوق هذه الملاحظات التي ظهرت للعيان قبل جائحة كوفيد 19 عام 2020 ، ونتذكر عدد الشركات التي تمت إحالتها الى التصفية منذ عام 2014، ناهيك عن أنه لم يجرِ تسجيل شركة مساهمة واحدة منذ ذلك الحين، هذه المعلومات والاحصائيات تثبتها المواقع الإلكترونية للدوائر الاستثمارية، أما عن المشاهدة العينية فأكثر ما يلفت الانتباه وأنت تسير في الشوارع هو ذلك العدد المهول لِلافتات ( المحل مغلق، المحل للبيع، المحل للإيجار)، كل هذا يجري ولدينا قوانين تشجيع الاستثمار ودليل حوكمة القطاع العام ومدونة السلوك الوظيفي، عدا عن ما ينطق به مسؤولو الدوائر الخاصة بتطوير القطاع العام وتشجيع الاستثمار، والذي أصبح مُكدراً للنفس ومُنفراً لطبلة الأذن، كان الأولى من كل هذه المؤتمرات والاجتماعات والندوات أن يتم تشكيل لجان لدراسة هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها ومن ثم معالجتها على قاعدة السؤال " لماذا يتراجع القطاع العام في أدائه ؟ ولماذا يهاجر المستثمرون؟ " ، آخر مسلسل هجرتهم مستثمر صناعة عربات القطار والذي أخذ بالتوصية وأطاع واستثمر في تركيا.